مع حلول شهر يناير المقبل تدخل اتفاقية تيسير التجارة العربية عامها الثالث وسط طموحات معلقة بتحقيق حلم التكامل الاقتصادي العربي وانطلاق المبادلة التجارية البينية لكن الواقع يؤكد ان الاتفاقية قد فشلت في تحريك الماء الراكد في مجال التجارة البينية والاستثمارات العربية المشتركة طوال الفترة الماضية منذ أن دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ اعتبارا من أول يناير 2005 حيث مازالت التجارة البينية العربية تتراوح بين 8 و 12% من اجمالي حركة التجارة الخارجية للدول العربية حيث تشير البيانات الواردة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005 إلي أن قيمة التجارة العربية البينية بلغت حوالي 65 بليون دولار في عام 2004 أي ما يعادل 9.4% من اجمالي قيمة التجارة العربية كما تتسم التجارة العربية البينية بشدة تركزها جغرافيا في عدد محدود من الشركاء التجاريين إذ ان التبادل التجاري البيني من حيث الصادرات والواردات يتم في معظمه بين دول عربية متجاورة نتيجة انخفاض كلفة النقل وسهولة التسويق فعلي سبيل المثال لا الحصر تشير البيانات المتاحة لعام 2004 الي ان صادرات العراق الي الدول العربية تركزت في دولة مجاورة واحدة هي الاردن بنسبة 78% من صادراتها البينية كما تركزت صادرات عمان البينية في دولة واحدة هي الامارات بنسبة 62%. خبراء الاقتصاد والمسئولون ورجال الأعمال عند تقييمهم لحصاد اتفاقية تيسير التجارة العربية بعد عامين من إلغاء الجمارك بالكامل علي البضائع والسلع العربية يؤكدون ان هناك العديد من الأسباب والمعوقات التي تحول دون تعظيم الاستفادة من السوق العربية الواسعة وحذو مسلك دول الاتحاد الاوروبي التي تجاوزت اختلاف اللغات والجنسيات والاعراق والديانات ونجحت في إنشاء سوق موحد وعملة موحدة علي حساب العملات الوطنية وتغلبت علي النعرات القومية. في السطور التالية يعرض عدد من رجال الاقتصاد والاعمال لتقييم الاتفاق وأسباب عدم تفعيله بالصورة المطلوبة والمشكلات التي تواجه التطبيق كما يطرحون روشتة التغلب علي هذه المعوقات. يقول نبيل فريد حسنين رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية ورئيس الاتحاد العربي للصناعات الهندسية ورئيس الاتحادات النوعية التابعة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية سابقا ان اتفاقية التيسير في حد ذاتها تعتبر من المشروعات العربية الجيدة التي تحمل اهدافا من شأنها تحقيق المصالح المشتركة للدول العربية وتنمية تعاملاتها التجارية والاستثماراية إلا أن عملية تنفيذها صادفت العديد من المعوقات مما جعلها لا تحقق نتائجها واهدافها بالكامل معتبرا ان الاتفاقية نجحت بصورة جزئية حيث نمت التجارة العربية البينية من نحو 5% عند اقرارها في بغداد عام 2002 لتصل الي نحو 11% حاليا فيما كان المستهدف ان تقفز بالتجارة العربية البينية بنسبة تتراوح ما بين 20 و 25%. نجاح جزئي ويري ان النجاح الجزئي للاتفاقية جاء نتيجة المعوقات التي واجهت التطبيق العملي وفي مقدمتها شهادات المنشأ حيث ينص الاتفاق علي انسياب البضائع بين الدول العربية بدون أية رسوم جمركية بشرط ألا تقل نسبة المكون المحلي عن 40% حيث إن تحديد هذه النسبة أمر بالغ الصعوبة كما انه يمكن التلاعب فيها موضحا انه علي سبيل المثال فإن حساب تكلفة العمل ضمن نسبة المكون المحلي تكون معقدة للغاية بالنسبة لمنتجات دول الخليج العربي التي تستخدم العمالة الهندية الرخيصة ومن دول شرق آسيا كذلك فإن بعض الدول العربية تقدم تيسيرات كبيرة ومتنوعة لمنتجيها فيما يعاني المنتج المصري من ارتفاع الرسوم والضرائب والجمارك علي مستلزمات الانتاج والآلات وقطع الغيار والمكونات ويتحمل أعباء ضخمة لا يجد نظيراً لها في الدول العربية وبالتالي ترتفع تكلفة الانتاج ولا يمكن للمنتجات المحلية المنافسة والتي تتطلب تحقق نفس ظروف الانتاج. ويشير نبيل فريد حسنين إلي ان الاتفاق ينص علي حرية انتقال السلع والافراد إلا أن الواقع العملي يقول ان القليل من الدول العربية علي رأسها مصر تلتزم بتقديم هذه التيسيرات فيما لا يتم التعامل بالمثل مع المصريين حيث تعد مشكلة الحصول علي التأشيرات إحدي المعوقات أمام التواصل وانطلاق التعاون الاقتصادي العربي موضحا ان الاتفاق ينص أيضا علي العملة العربية الموحدة لتيسير التعاملات العربية وهو ما لم يجد طريقه إلي التنفيذ حتي الآن علي عكس دول الاتحاد الأوروبي التي نجحت في التعامل باليورو علي حساب العملات المحلية لكل دولة وتخلت دول كبري مثل المانيا وفرنسا عن عملتها لصالح المجموع.