قالها عباس صريحة: "لن نتحاور مع حماس إلا بعد أن تتراجع عن الانقلاب" وهو يعني هنا أحداث 14 يونيو الماضي التي اسفرت عن توجيه ضربة لجهاز الأمن الوقائي وعصابة دحلان ممن كانوا ينفذون خطة دايتون في غزة بهدف القضاء المبرم علي حماس. * علامة استفهام رغم مطالبة كل من مصر والسعودية لعباس بضرورة الدخول في حوار مع حماس لرأب الصدع إلا أنه رفض المبدأ ورفض التعامل مع حماس، بل إن كل المؤشرات والتطورات الجارية تكاد تجزم بأن الرجل ضالع مع أمريكا وإسرائيل في فرض الحصار الكارثي علي غزة وفرض الاستحكامات التي تطوق مليونا ونصف المليون فلسطيني، وتحول دون خروج أحد من القطاع لعلاج، أو لأي أمر آخر، ويكفي أن السلطة الفلسطينية غضبت من مصر مؤخرا وصدر عنها تصريح يتهم مصر بطعنها في الظهر عندما سمحت لحجاج غزة بالمرور عبر سيناء. * عباس ومعاييره المزدوجة ويحار المرء في نهج السلطة الفلسطينية فعلي حين تتخذ هذا الموقف من حماس إذ بها تتخذ موقفا مهادنا لينا مع إسرائيل رغم ممارستها الإجرامية في الأراضي الفلسطينية، فلو أن عباس خرج وهدد بأنه لن يتحاور مع إسرائيل إلا بعد أن توقف حملات الإبادة اليومية لفلسطينيغزة لكان هذا هو الموقف الطبيعي الذي تفرضه الأحداث أما أن يمضي قدما في مباحثات عبثية مع أولمرت في وقت تشن فيه إسرائيل أعتي الحملات العسكرية علي غزة والضفة، وفي وقت تطرح فيه المناقصات لتوسيع المستوطنات فهذا هو اللامعقول الذي يشي بأن عباس ضالع مع إسرائيل في تمكينها من ترسيخ الاحتلال، فلا شك أن تصعيد إسرائيل لعملياتها العسكرية في قطاع غزة يعد صفعة قوية للسلطة الفلسطينية التي يبدو أنها لم تعد تكترث بما قد تؤول إليه الأحداث من ترسيخ للاحتلال أكثر وأكثر.. ما تفعله إسرائيل اليوم هو انقلاب علي كل التفاهمات والاتفاقيات واستخفاف بالإدارة الدولية التي عبر عنها حضور نحو خمسين دولة ومنظمة لاجتماع أنابوليس دعما لعملية السلام، فإسرائيل مازالت تعتمد سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية حتي ولو كان ثمن ذلك تدمير عملية السلام. * لقاءات عبثية الغريب أن نسمع صائب عريقات وهو أحد المقربين إلي عباس يتحدث مؤخرا في معرض تعقيبه علي قرار إسرائيل بتوسيع الاستيطان في جبل أبوغنيم فيقول بأن ممارسات إسرائيل تنسف النتائج التي تم التوصل إليها في أنابوليس وتقوضها قبل البدء في تنفيذها، ويبدو أن عدوي التخلف التي أصابت عباس قد انتقلت بالتبعية إلي عريقات وإلا فعلي أي أساس يتحدث عن نتائج أنابوليس، وهل كان لهذه المهزلة أية نتائج اللهم إلا دعم ومساندة الدولة اليهودية؟ غاب عن عريقات وزمرة عباس أن أنابوليس لم يكن إلا أكذوبة وخدعة مورست علي الأمة وكان ينبغي علي السلطة الفلسطينية لو أنصفت أن تسارع بوقف الاتصالات واللقاءات العبثية مع الاحتلال. الاحتلال ونظرية الأخلاق وكأني بالسلطة الفلسطينية تدعم اسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية وتسعي إلي توطينه إلي الأبد. الأمر الذي شجع حكومة أولمرت علي أن تمضي في التنكيل بشعب بأكمله بذريعة الحفاظ علي أمنها وجاء مؤتمر أنابوليس ليخولها الحق في كل ممارساتها بدعوي حماية أمنها ككيان قومي للشعب اليهودي كان الأمر سيختلف كثيرا لو أن المؤتمر المذكور بادر بالتركيز علي بحث الوضع من الناحية الأخلاقية كي يثير تساؤلا مفاده: هل تملك إسرائيل حقا أخلاقيا في مواصلة احتلالها؟ لو أنه فعل ذلك لجاءه الجواب قاطعا يقول بأن الوقائع والعدل والحقائق تقطع بأنه لا حق لإسرائيل في احتلال شبر واحد من أرض فلسطين. مرجعية توسيع الاستيطان كان غريبا قبول السلطة الفلسطينية بحصر المرجعية في أنابوليس علي خريطة الطريق وحدها وبموجبها يتم علي أساسها ملاحقة المقاومة ونزع سلاحها علي حين تتنكر اسرائيل للخريطة التي طالبت بوقف الاستيطان وبالتالي تسارع اسرائيل في أعقاب مؤتمر أنابوليس إلي الشروع في توسيع الاستيطان واستغلال الوقت لاحكام القبضة علي حماس والقضاء عليها في النهاية كان علي "عريقات" ورئيسه أن يفهما أن اسرائيل استخدمت المفاوضات واللقاءات العبثية مع عباس كستار وغطاء لبناء المزيد من المستوطنات وتصعيد العدوان والحصار ضد الشعب الفلسطيني ولهذا سارعت إسرائيل ولم يجف بعد الحبر الذي كتبت به توصيات أنابوليس بطرح مناقصة في الخامس من الشهر الحالي لبناء أكثر من 300 وحدة سكنية في مستوطنة أبوغنيم رغم تعهد تل أبيب في أنابوليس بالالتزام بخريطة الطريق التي تنص علي وقف الاستيطان بالأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وماذا بعد؟ أولي جولات المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تنطلق في 12 ديسمبر الحالي والمفروض أن تتواصل طيلة العام المقبل ويبدو أن انطلاقها يرتبط بشرط إذعان يقضي بمنح إسرائيل الفرصة لعملية تهويد الدولة بكاملها وكأن السلطة الفلسطينية تدفع ثمن حضورها وليمة "أنابوليس" وربما كان الوضع سيختلف كثيرا عما آل إليه الآن لو لم يذهب هذا الحشد العربي إلي الوليمة فبذهابهم منحوا الشرعية والدعم بغطاء عال لمؤتمر صهيوني منحاز صدقوا بوش الذي أظهر لهم بأنهم جزء من الحل وليسوا جزءا من المشكلة ولا غرابة في ذلك أن أمريكا ضربت صفحا بنظرية الأخلاق وأضاعت العدالة.