نحن مضطرون إلي أن نغزل بأرجل حمار" هكذا وصف وزير الاستثمار د. محمود محيي الدين الوضع الاستثماري في بعض المحافظات المصرية التي قد تتمتع بكثافة سكانية وموارد طبيعية إلا أنها تفتقد إلي الموارد المالية بسبب سوء توزيع الاستثمارات في البلاد جاء ذلك خلال إطلاق تقرير ممارسة الأعمال في مصر أول أمس، وهو الأول من نوعه الصادر عن البنك الدولي والذي تناول بالتحليل تيسير الأعمال في ثلاث محافظات هم القاهرةوالإسكندريةوأسيوط والمفاجأة أن أسيوط جاءت في المرتبة الأولي من حيث تيسر إجراءات الاستثمارات علي الرغم مما يشكو منه الصعيد من غياب الاستثمار. الجديد في التقرير هو تناوله بالتحليل لأوضاع الاستثمار في المحافظات بعيداً عن المتوسطات العامة لمصر وربما أن حداثة هذا الأسلوب في دراسة الوضع الاستثماري في مصر هي التي استدعت الحديث عن اللامركزية في خطاب وزير الاستثمار في أثناء إطلاق التقرير فاللامركزية لا تتحقق إلا من خلال تحقيق العدالة في الدخول في السوق والمنافسة العادلة في جميع المحافظات كما قال الوزير علاوة علي أن الوزير أكد أن التقرير يختلف عن مثيله الدولي في أن الأخير يركز في مؤشراته علي محافظة القاهرة بينما يعرض الآخر مؤشرات أكثر من محافظة مع التركيز علي أوضاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة علي حد ما ذكر الوزير خلال المؤتمر. تناقص في الوقت ونتائج التقرير الذي ينوي البنك الدولي أن يوسعه علي باقي المحافظات تدريجيا خلال السنوات القادمة كشفت بالفعل عن التناقض الواضح بين الزمن المستغرق في إنهاء الإجراءات بين المحافظات المختلفة، فقد اعتمد التقرير علي قياس ثلاثة مؤشرات: مؤشر بدء النشاط ومؤشر التعامل مع التراخيص ومؤشر تسجيل الملكية حيث اعتاد معدو التقرير علي اختيار مؤشرات بعينها من دون المؤشرات العشرة التي يتبعها التقرير في إصداره الدولي أثناء إعداد التقرير المحلي لضخامة الجهد البحثي المبذول فيه، وفي المؤشر الأول بدء النشاط استحوذت القاهرة علي المركز الأولي بعدد 7 اجراءات ومدة 9 أيام أما الإسكندريةوأسيوط فقد تساويا في عدد الاجراءات 8 وتستغرق أسيوط 14 يوما بينما تستغرق الإسكندرية 15 يوماً. أرجع التقرير تقدم مستوي إجراء بدء النشاط في الإسكندريةوأسيوط إلي تطبيق نظام الشباك الواحد، إلا أنه علي مستوي مؤشر التعامل مع التراخيص والذي يقاس بناء علي تراخيص البناء تتفوق أسيوط علي القاهرةوالإسكندرية فبينما تتطلب التراخيص 19 إجراء في أسيوط تستغرق 28 إجراء في القاهرة و30 إجراء في الإسكندرية أما عن المدة الزمنية فتستغرق 109 أيام في أسيوط و207 أيام في الإسكندرية و249 في القاهرة، بل وعلي المستوي التفصيلي نلاحظ الفارق في عدد الإجراءات فالإجراءات المتطلبة خلال البناء هي إجراء واحد في أسيوط بينما يصل عددها إلي 10 إجراءات في القاهرةوالإسكندرية، وتتفوق أسيوط في مؤشر تسجيل الممتلكات حيث يشير التقرير إلي أنه علي الرغم من أن التسجيل يستغرق 7 إجراءات ويتكلف نفس التكلفة بين المحافظات الثلاث إلا أن الزمن المستغرق لإنهائه 33 يوماً في أسيوط و159 في الإسكندرية. مناطق متميزة وعلي الرغم من أن تجربة إعداد التقرير هي الأولي من نوعها في مصر إلا أنها ليست الأولي من نوعها في المنطقة فقد سبقتنا إليها المغرب كذلك علي المستوي العالمي سبقتنا إليها دولاً عدة كالبرازيل والهند. يذكر التقرير أن مثل هذه التقارير المحلية تفيد المستثمرين في المقارنة بين مواقع أو محافظات بعينها علي المستوي العالمي وتبرز المناطق المتميزة داخل كل دولة. ويعتبر فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية ان تفوق أسيوط في مؤشرات إجراءات الاستثمار يعود إلي قلة الاستثمار في هذا البلد وقلة الضغط علي الأجهزة الحكومية هناك للمطالبة بالتراخيص ويرجح أنه في مجال تراخيص البناء يستخرج من القاهرةوالإسكندرية عشرات أضعاف ما يستخرج من أسيوط كما يلفت إلي أن المؤشر اعتمد علي قياس الزمن المستخدم في تراخيص البناء ولم يعتمد علي زمن تراخيص التشغيل علي الرغم من أن الأخيرة تعتبر الأكثر تعقيداً في إجراءتها، ويشير إلي أن أسيوط تعاني من مشكلات كثيرة تجعلها أقل حظاً من القاهرةوالإسكندرية في جذب الاستثمار علي الرغم من يسر إجراءاتها فعلي سبيل المثال أسيوط تتمتع بكثافة سكانية عالية إلا أن نسبة العمالة المدربة فيها قليلة جداً علاوة علي أن ابتعاد أسيوط عن الأسواق الداخلية يكلف المستثمرين تكلفة نقل عالية وكذلك ابتعادها عن منافذ التصدير كما يلفت إلي أن تقديم الأرض مجاناً في أسيوط لا يكفي لجذب الاستثمار نظراً لما يواجهه المستثمر الصغير من مصاعب التمويل. ويري ثابت أن المحافظات الثلاث التي اختارها التقرير لا تعبر عن جميع التعقيدات التي تواجه المستثمر فهناك مشكلات عدة تواجه المستثمر في محافظات كسوهاج وبورسعيد والدقهلية. ويؤيد ثابت اهتمام وزير الاستثمار بتنشيط المشروعات الصغيرة علي المستوي المحلي مشيراً إلي التيسيرات التي تقدم في العديد من المحافظات لاختصار زمن التراخيص ويدعو إلي التوسع فيها لرفع معدلات التشغيل. تيسير الإجراءات ويقول محمد فرج عامر رئيس مجموعة فرج الله للصناعات الغذائية أن تيسير الإجراءات في الصعيد ليس العامل الوحيد الذي يضمن جذب الاستثمار فالصعيد يحتاج إلي حزمة من الخدمات التي تيسر الاستثمار هناك كالطرق والمواصلات والمرافق مشيراً إلي تجربة طريق سفاجا والتي ستنشط الاستثمار في محافظة أسيوط ومحافظات أخري بالصعيد. ويقول د. محمد الجتوري نائب رئيس جمعية رجال أعمال الإسكندرية أن مشكلة التراخيص في المحافظات بشكل عام تعود بسبب السلطات التي يمنحها قانون البناء الحالي للسلطة المركزية والتي تقيد السلطات المحلية معتبراً أن هذا الوضع سيتغير بدرجة كبيرة مع صدور قانون البناء الموحد في الفترة القادمة، كما يلفت إلي أنه علي مستوي الإسكندرية علي الرغم من أن المعونة الأمريكية انشأت المركز الذكي لتيسير الاستثمارات إلا أن تيسيراته لم تصل حتي الآن لتيسير إجراءات التراخيص لافتا إلي أن المركز يشرع حالياً الدخول في هذا المجال من خلال ضخ ممثلين عن الأحياء إلي المركز، إلا أن الجتوري يشكو من عدم التنسيق بين الجهات الدولية التي تحاول المساعدة في تيسير الاستثمار في مصر فبرنامج المعونة ومؤسسة التمويل الدولية يشاركان في مجال تبسيط الإجراءات في الإسكندرية إلا إنهما يعملان بشكل منفصل معتبراً أن توحيد الجهود سيساهم في تسريع وتيرة الإصلاح.