د. صلاح الدسوقي استاذ التاريخ الحديث بدأ حديثه حول طلعت حرب قائلا زنه من الصعب أن نحكم علي تجربة طلعت حرب بمقاييس عصرنا الحالي وإنما بمقاييس عصره ففي بداية العشرينيات كانت مصر دولة زراعية وكانت مساحة الرقعة الزراعية في هذا الوقت 5 ملايين فدان كان توزيعها كالآتي الملك يملك مليون فدان والأجانب مليوناً والباشوات المصريون مليون فدان والباقي 2 مليون موزعة علي فقراء الشعب البالغ عددهم 7 ملايين فرد وكانت الثروة الزراعية مملوكة للأجانب وكان المنتج الرئيسي هو القطن وكان يتم التعامل عليه شراء وبيعا من خلال البورصة التي يسيطر عليها الأجانب أما بالنسبة للبنوك فكان عددها 26 بنكا منها 12 بنكا مسجلين كشركات مصرية بمساهمات أجنبية، بجانب 14 بنكا من بنوك أجنبية بالكامل. وبالنسبة لتصدير القطن كان يسيطر عليه شركات أجنبية ما عدا شركتين مصريتين للقطن أصحابها فرغلي باشا، علي أمين يحيي وكانت حصتهما 8% فقط. وأضاف: بالنسبة للشركات نجد أن الغاز شركة إنجليزية هولندية والكهرباء شركة فرنسية، الاذاعة والتلغراف شركة ماركوني، الأخشاب يسيطر عليها اليهود، وحتي توزيع الكتب يسيطر عليه شركة "شات" وهي شركة فرنسية توزع 50% من الصحف والمجلات والكتب والمطبوعات، أي أن الشركات العقارية وشركات النقل والأسمنت وحتي الخردوات كانت كلها مملوكة للأجانب وبالنسبة للمقاولات كان هناك 102 مقاول مسجلين في وزارة الأشغال منهم 12 مصرياً فقط، 65% من رخص الصيد كانت ممنوحة للأجانب، وبالتالي فمن الملاحظ أنه تم إنشاء بنك مصر في ظل اقتصاد خاضع خضوعاً تاما للسيطرة الأجنبية وهو ما يمثل تحدياً كاملاً ويعد قضية خطيرة بالنسبة للواقع الاقتصادي. وذكر د. الدسوقي أن الشركات المملوكة لبنك مصر كان رأس المال الأجنبي يمثل فيها 37% أي أن مشروع طلعت حرب لم يكن من أجل تمصير الاقتصاد المصري والبعد عن الأجانب وانما كان بهدف أن يكون للمصريين قدم في اقتصاد بلادهم، ومن أجل هذا تم الاهتمام بايجاد كفاءات مصرية فتم انشاء المعهد القومي للإدارة العليا لايجاد الكوادر المصرية القادرة علي الإدارة أما الآن فالحكومة تستجلب الأجانب من الخارج حتي أصبح هناك رأي عام يعتقد أن الأجنبي قادر علي الإدارة أما المصري فلا تتوافر لديه تلك القدرة ومن ثم بالتوقف أمام مشروع طلعت حرب يبين أنه كان مشروعاً يتسم بالأفق الواسع والتخطيط الدقيق، وكان مشروع طلعت حرب يمثل ثورة علي سيطرة الأجانب بشكل كامل علي الاقتصاد، أما العصر الحالي فيمثل الثورة المضادة لفكر طلعت حرب حيث تم التوسع في الخصخصة ونهب البنوك وعاد الأجانب من جديد للسيطرة علي الاقتصاد فهناك اتجاه لبيع البنوك وقطاع التأمين ورغم وجود موقف شعبي معارض إلا أن الحكومة تستمر في طريقها لأنها مرتبطة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي. وذكر د. الدسوقي أنه تم عمل دراسة عام 2002 أثبتت أن حوالي 20% من قروض البنوك يحصل عليها 8 أفراد فقط ومن ثم اصبحت البنوك عرضة للنهب المنظم. مشيرا إلي أنه وفقا لتقرير البنك المركزي فإن حصيلة عمليات الخصخصة 1.48% مليار جنيه تم توزيعها كالتالي 17 مليار جنيه لسداد أقساط الدين المحلي والأجنبي، 8.2 مليار لصندوق إعادة الهيكلة و5.9 مليار للشركات القابضة، 19 مليار جنيه للبنوك وشركات التأمين وهنا تتضح قضية مهمة وهي أنه لم يتم انفاق مليار واحد علي الاستثمار، ولم يعد البيع مقصوراً علي البنوك فقط وإنما تعدي ذلك لبيع الأراضي أيضا، أي أن طلعت حرب بدأ مشروعا والآن عقارب الساعة تدور وتضرب هذا المشروع تماما، مشيرا إلي أن هذا سينتج عنه ضغوط ستؤدي في النهاية للتغيير ولكن لا أحد يعلم شكل هذا التغيير ولابد من التفكير في مشروع للانقاذ.