أحداث اقتصادية مصرفية ساخنة شهدها العام الماضي ترتب عليها بيع بنوك واندماج بنوك وانهاء أعمال بنوك أخري والنتيجة خريطة مصرفية جديدة فرضت واقعا جديدا للبنوك العاملة في مصر.. ونتيجة لتغير طبيعة هذه البنوك وتغير المناخ الاقتصادي الذي تعمل فيه فقد بدأت البنوك في تغيير استراتيجياتها الخاصة بطبيعة الخدمات التي تقدمها بما يتلاءم مع الواقع الاقتصادي الجديد حيث توسعت معظم البنوك الحالية في تقديم منتجات التجزئة المصرفية كما تبنت بنوك عديدة سياسة الانتشار من خلال التوسع في انشاء فروع جديدة كوسيلة لتسويق وبيع أكبر ما يمكن من منتجاتها. ولكن من يحسم المنافسة لصالحه بين هذه التشكيلة الجديدة للبنوك؟.. وللإجابة علي هذا التساؤل علينا أن نتناول سلوك العميل بشيء من الدراسة والتحليل، فالعميل هو عصب البنك، فهو مصدر مبيعاته وارباحه وهو العنصر الرئيسي الذي يشغل بال إدارات البنوك دائما بغرض حسم المنافسة فيما بينها. ويمكن ان نحلل سلوك العميل في نظرته التقييمية للبنوك ومن ثم اختياره فيما بينها من عدة زوايا نلخصها فيما يلي: 1 لاتزال الثقافة المصرفية السائدة بين الشريحة الأكبر من العملاء في السوق المصرفي المصري في التعامل مع البنوك العامة التي تملكها الدولة، فالعميل يلجأ إلي التعامل مع هذه البنوك وهو يضع في ذهنه هذه النوعية من العملاء مستعدة أن تضحي بمزايا عديدة تقدمها البنوك الخاصة أو الأجنبية في سبيل تحقيق الأمان الذي يرغبه هؤلاء العملاء بالنسبة لأموالهم، لذا فإن بنوك القطاع العام مازالت تسيطر علي الشريحة الأكبر من عملاء السوق المصرفي، ويقع علي عاتق البنوك الأجنبية والخاصة تغيير هذه الثقافة المصرفية السائدة في السوق المصري والتي أصبحت لا تتلاءم مع المعطيات الاقتصادية الجديدة والتي صارت واقعا ينبغي التعامل معه والاندماج فيه من جانب جمهور العملاء. 2 يلعب المعيار المادي دورا رئيسيا عند قيام العميل بالمفاضلة بين البنوك لاتخاذه قراراً بالتعامل مع بنك ما دون الآخر، ويتمثل هذا المعيار في اسعار الفائدة الدائنة التي يحصل عليها العميل علي مدخراته بالبنك، وفي ظل الظروف الاقتصادية السائدة يهتم المودعون بقيمة سعر الفائدة المدفوع علي الودائع بشكل كبير، بل إن تفاوت اسعار الودائع بين بنك وآخر بمقدار بسيط يدفع فئة كبيرة من المودعين إلي تغيير وجهتهم من البنك مانح الفائدة الأقل إلي البنك صاحب الفائدة الأعلي، وبنفس الكيفية يتخذ العميل المقترض قراره بالتعامل مع بنك ما دون الآخر في ضوء اسعار الفائدة المدينة السائدة التي تقوم البنوك بتحصيلها علي القروض. 3 تنظر فئة كبيرة من عملاء السوق المصرفي لمستوي جودة الخدمات التي تقدمها البنوك بعين الاعتبار، ويمكن الحكم علي مستوي جودة هذه الخدمات من خلال العناصر التالية: أ مدي سلامة ودقة الخدمة بحيث تتم بشكل سليم بما يضمن الحفاظ علي حقوق العملاء، ويرتبط ذلك بمستوي كفاءة العاملين بالبنك ومدي جودة ودقة النظم الآلية المطبقة بالبنك والتي أصبحت تقوم بالنصيب الأكبر من العمل المصرفي. ب طبيعة الخدمة المقدمة بحيث تلبي احتياجات ورغبات العميل بأعلي قدر من الاشباع. ج مدي سرعة الخدمة المقدمة بحيث يحصل عليها العميل في أسرع وقت. 4 هناك شريحة غير قليلة من العملاء في السوق المصرفي يعطون اهتماما كبيرا لبيئة العمل المصرفي وهي الحالة العامة لمقر البنك من حيث كفاءة تجهيزه وتطوره الإنشائي، بحيث يحقق الرفاهية لعملائه، وتهتم هذه الشريحة من العملاء بالتعامل مع البنوك التي تتمتع ببيئة عمل رفيعة المستوي، وهو ما دفع العديد من البنوك بالاهتمام بتطوير بيئة عملها من أجل اجتذاب مزيد من العملاء ذات شريحة مختلفة باعتبار أن ذلك يعتبر وسيلة تسويقية مهمة، فضلا عن مساهمة ذلك في تغيير الصورة الذهنية عن البنك لدي العملاء بالسوق، ولعل تجربة بنك الإسكندرية في هذا المجال خير نموذج علي ذلك، حيث قامت الإدارة الحالية للبنك بإحداث تغييرات جذرية من أجل تطوير بيئة العمل الخاصة بفروع البنك وهو ما نتج عنه ميلاد فروع للبنك غاية في التطور والأناقة مما أدي إلي تغيير الانطباع الشخصي السائد لدي جمهور العملاء عن البنك لمستوي أفضل كثيرا. فإذا كانت المعايير السابقة هي المفاتيح الرئيسية للمنافسة المصرفية فما هي تلك البنوك التي تستطيع تفعيل هذه المعايير حتي تنافس بقوة في السوق المصرفي وتستحوذ علي شريحة كبيرة وجيدة من العملاء؟ يخبرنا الواقع أن إدارة أي بنك هي العامل الرئيسي في تفعيل المعايير السابقة وذلك بقدر كفاءتها في إدارة أصول البنك مما يحقق أعلي معدلات للربحية، وأري أن هذه الربحية تساهم بشكل قوي في تفعيل معايير المنافسة المصرفية، فالبنوك التي تحقق ربحية عالية هي التي تستطيع الاعتماد عليها كقاعدة لتمويل زيادة اسعار الفائدة الدائنة لمودعيها، وخفض أسعار الفائدة المدينة لمقترضيها، كما أن الربحية تمكن البنوك من تمويل الارتقاء بمستوي خدماتها المصرفية من خلال تطوير أنظمتها الآلية واستقدام كوادر بشرية مؤهلة ومحترفة، وكذا تطوير بيئة عملها بشكل مستمر. ويمكن للبنوك رفع ربحيتها من خلال الاعتماد علي محورين رئيسيين: المحور الأول: تعظيم ايراداتها، ويتم ذلك بتوظيف أموالها بكفاءة، ويعتبر الائتمان هو المجال الرئيسي لتوظيف أموال البنوك والمصدر الأول لايراداتها وبالتالي يجب أن تمنح البنوك الائتمان من خلال دراسة علمية محترفة وان يتم متابعته بشكل فعال ومستمر حتي تتوافر للبنك محفظة ائتمانية جيدة لها القدرة علي توليد ايرادات عالية، كما يجب ان توجه البنوك فائض أموالها إلي استثمارات جيدة ومتنوعة بما يحقق أعلي عائد بأقل مخاطرة، كذلك علي البنوك ان تقدم تشكيلة متنوعة وعريضة من المنتجات ذات الجودة والسعر المنافس بحيث ترضي قاعدة كبيرة من العملاء. المحور الثاني: ترشيد مصروفاتها، علي البنوك أن تراقب وتضبط مصروفاتها بما يضمن تجنب أية نفقات ليس لها مردرد اقتصادي وإلا أصبح المصروف خسارة للبنك، وتتعدد مصروفات البنوك إلا ان مصروفات أجور العاملين تظل هي الأهم والأكبر تأثيرا علي ربحية البنوك فضلا عن امكانية التحكم فيها، لذا فإن معظم البنوك التي تتميز بارتفاع ربحيتها تعتمد علي عدد محدود من العاملين لتدنية مصروفات الأجور للحد الأدني حيث تستعيض عنهم بالنظم الآلية التي تنجز الأعمال بأعلي كفاءة، وبالنسبة للبنوك التي بدأت في تطبيق هذا الاتجاه أخيرا فإنها وان كان لها المبرر الاقتصادي في ذلك إلا أن قيامها بتخفيض عدد العاملين بها يجب ان يكون قائما علي منح العاملين جميع حقوقهم المادية وغير المادية مما يحافظ علي مبدأي الثقة والاستقرار من جانب العملاء والعاملين فهذان المبدأن هما حياة أي بنك وأساس استمراره ونجاحه. دكتور/ إيهاب محمد أبو خزانة دكتوراة الائتمان المصرفي مراقب بنك الإسكندرية [email protected]