نعم يتمني كل إنسان في أي مكان وفي أي زمان السعادة وأن يكون سعيداً.. بل إن الهدف من أي عملية تنمية في أي مجتمع أو وطن أن يصبح الناس أكثر سعادة وأن نرفع جودة الحياة بالنسبة لهم. وهناك أنواع من السعادة لاتحتاج إلي مال أو ميزانيات وموازنات وإعتمادات ومن هذه الأنواع ما أدركه الحس الشعبي في مصر منذ القدم وهو أن "الملافظ سعد" أي أن الكلمات التي نقولها وننطق بها قد تجلب لنا نوعاً من السعد. والسعد عند المصريين أيضا له معني اخر خاص هو "الحظ الحسن" ونقول إن "السعد وعد" ومن هنا كانت الكلمة مسئولية كبري لأنها قد تحمل السعادة وقد تنذر بالتعاسة إذا تعلق الأمر بشئون تخص الناس في ضروريات حياتهم فإن الكلمات والعبارات والتصريحات لابد أن تقاس بميزان من ذهب. لاسيما إذا صدرت عن مسئول أو سياسي أو مختص ولقد أصاب الناس صدمات غير مصدقة وغير مبررة من تصريحات صاحبت مشكلة المياه في الفترة الاخيرة لاسيما تلك التي جاءت - علي نحو ما نشر في بعض الصحف - منسوبة إلي أحد الوزراء. إن الوزارة أيها السادة عمل سياسي في المقام الاول وليست عملا تقنيا أو مهنيا والوزير رجل سياسة أولا وقبل أي شيء - أو هكذا يفترض - ومن هنا كانت لتصريحات الوزارة أهمية خاصة تحرص الصحف علي نشرها وإبرازها وتحليلها كما يحرص الناس علي التمسك بها ومتابعتها لأنها تعكس أمرين معاً هما رؤية هذا المسئول أو الوزير وخطة وزارته ومن ثم حكومته في معالجة أمر قضية أو مشكلة.. وكلما أطمأن الناس إلي إدراك المسئول لما يعانونه وتفهمه لذلك تجاوبت معه فيما هو مطلوب منها.. ولست أفهم أن يتوجه مسئول إلي ناس تبحث عن المياه ليقول لهم إنكم سوف تظلون تحملون "الحلة" لسنوات طويلة قادمة بحثا عن الماء وأنه لا توجد دولة في العالم توفر مياه الشرب لكل مواطنيها.. ويطلب منهم أن يتفهموا ذلك. إن أقل ما يمكن أن يقال عن مثل هذا الكلام في مثل هذا التوقيت أنه غير مقبول وغير مناسب بغض النظر عما كنا نختلف معه أو لنتفق في المضمون ولا يمكن أن نقول عن مثل ذلك أنه شجاعة أو صراحة أو أية كلمات أخري تبرره.. وإذا كان المثل الشعبي عندنا يقول إن"الجوعان يحلم برغيف العيش" فإنه ليس من الحكمة وليس من السياسة في شيء أن نصادر حتي علي حلم هذا الجوعان ونقول له حلمه واقعي أو غير واقعي فالناس من حقها أن تحلم وألا نصادر احلامها ولو بطلنا نحلم نموت.. قد نقول لهم إن تحقيق الحلم يحتاج إلي وقت وجهد ومال وأننا نسعي في هذا السبيل ولابد من مشاركة الجميع.. ولا يمكن ان يكون الملائم أن نقول لهم إنكم ستعانون حتي عام 2057 - إن صح ما نشر في الصحف - ولقد أصبح الامر يحتاج إلي الانتباه فكثير من الاقوال الصادمة يمكن أن تعقد المشكلات وتدفع الناس إلي اليأس والقنوط ولن نجني شيئا من شعب يائس وفقد الأمل. هل نحن في حاجة إلي تدريب بعض السياسيين عندنا علي كيفية مخاطبة الناس.. أم نحن في حاجة إلي تدريب الناس علي كيفية تقبل خطاب السياسيين مهما كان. إنني باليقين لست مع خداع الناس أوالكذب عليهم وبنفس الدرجة فإنني لست مع إحباط الناس ودفعهم لليأس. ولست أفهم أن يقال لنا إن مياه الشرب ليست مثل قضية رغيف الخبز ومثل هذه الاقوال لا يجب أن ينزلق إليها أي مسئول أو سياسي لأنها تثير الغضب ولن أزيد.. مرة أخري أيها السادة إن الملافظ سعد ومرة أخري يجب أن يشعر الناس أننا معهم نعيش مشاكلهم ونتفهم مواجعهم ونشعر بهمومهم.. ونعمل بكل علم وجهد وخبرة وجدية ومسئولية علي إيجاد الحلول لها فتلك مهمة أية حكومة وأي وزير وأي مسئول. وليتنا نراجع أسلوب وكلمات خطابنا للناس ونعود للسعد الذي هجرناه. أيها السادة إن العدل فضيلة بل هو فريضة كما أن الرحمة فضيلة وفريضة تعلو العدل ذاته.. والراحمون يرحمهم الرحمن فهل نطمع في أن ترحمونا من مثل تلك الكلمات والتصريحات التي تدمي القلب وتوجع النفس وتذهب بنا إلي سراديب اليأس وظلمات القنوط وإنني أدعو الأطراف إلي كلمة سواء. سواء جاءت من منبر المعارضين أم مقعد المؤيدين فكلنا أبناء وطن واحد إذا تناقشنا من أجله إذا اختلفنا فلكي نجتهد لنجعله الافضل والاكرم. وليت أحدا يراجع حال الاعلام لاسيما أن الصحف عندنا تقول كلمات تدل علي وجود حريات ولكنها في النهاية لا تصل إلي ما نبغي ولا تقترب من التنوير إلا فيما قل وندر منها وأصبح البعض مع الحكومة علي طول الخط والاخر ضد الحكومة علي طول الخط وليس هذا أبدا من طبائع الأشياء الصحيحة والصادقة والتي من أجلها كانت المناداة بالحرية والحرص عليها.