مع قدوم أيام الصيف وارتفاع درجات الحرارة، زادت مؤشرات ترمومتر الأسعار، وخاصة مع تدفق العاملين المصريين في الخارج لقضاء إجازة الصيف السنوية مع أسرهم. وبالأرقام يبلغ عدد العمالة المصرية وفقا للكتاب الاحصائي للجهاز المركزي للاحصاء 757662 عاملا من الذكور بخلاف 27250 من الإناث. وتمثل قوة العمل المهاجرة مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل القومي من خلال تحويلاتها النقدية، إلا ان قدوم هذه العمالة للسوق المصري خلال موسم الصيف يشعل الأسعار بسبب ازدياد الطلب علي المنتجات الاستهلاكية وعلي العقارات والسيارات، وفي هذا التحقيق حاولنا ان نرصد ابرز المستجدات علي السوق خلال الموسم الصيفي وترمومتر الأسعار. ولأن من أول أهداف معظم من يعمل في الخارج إدخار مبلغ يكفي لشراء "شقة" باعتبارها العائق الرئيسي أمام أي مواطن يبدأ حياته.. فإن أول قرار يتخذونه في اجازتهم الصيفية هو البحث عن العقار المناسب حتي وان كان تحت التشطيب، لذا فالموسم الصيفي يعد موسم انعاش السوق العقاري الذي ترتفع فيه اسعار العقارات بسبب ازدياد الطلب عليها. إلا أن محمد عجلان رئيس لجنة المقاولات بجمعية شباب الأعمال رجح عدم تحقيق اسعار العقارات الارتفاعات المسبوقة لوجود الكثير من العوامل المستجدة علي هذا السوق فمن ناحية لم يعد العائدون من الخارج هم القوة الشرائية الأكثر تأثيرا في السوق فهناك قوة شرائية محلية ظهرت مؤخرا تشتري العقارات طوال العام وليس في فصل الصيف فقط ودعم من هذا الاتجاه ايضا ان الشركات التي تبني العقارات الفاخرة اصبحت تعتمد علي نظام التسويق "بقائمة المستهلكين" وهو ما يعني ارسال الدعاية بالمشروعات الجديدة لعملاء الشركة السابقين علي مدار العام والاعتماد علي بيع نسبة كبيرة من عقارات هذه المشروعات لأقاربهم ومعارفهم.. علاوة علي ان شركات الاستثمار العقاري المصرية طورت من نظم تسويقها واصبح لها وكلاء ومسوقون في دول الخليج إلي جانب دخول شركات خليجية بقوة في السوق العقاري المصري وهي شركات لها شبكات تسويق قوية في هذه المنطقة لذا فأصبح من المتاح للمصريين العاملين في الخليج شراء العقارات في فترة وجودهم هناك وهو ما خفف من ضغط الطلب الذي كان يحدث في الصيف. أما وليد مسعد مدير عام الإدارة الهندسية بشركة التعمير للتمويل العقاري فيشير إلي عوامل أخري قد ترفع من الطلب علي العقارات في فصل الصيف منها زيادة القوة الشرائية للعرب وخاصة "العراقيين" للعقارات في مصر علاوة ايضا علي ان من طبيعة المستهلك المصري معاينة العقار قبل شرائه ولا يكتفي بالتعاقد عليه من خلال الوكيل في الخليج لذا فالكثير من المصريين العائدين من الخليج ينتظرون فصل الصيف لمعاينة العقارات التي يتطلعون لشرائها. الذروة في أغسطس ويلفت مسعد إلي أن هناك زيادات ملموسة بالفعل في أسعار العقارات فوق المتوسطة منذ بداية موسم الصيف في شهر يونيو الماضي حيث ارتفع سعر المتر السكني بحوالي 20% والسياحي الساحلي من 10 إلي 15%، مشيرا إلي أن اسعار العقارات عادة ما تستمر في الارتفاع حتي تصل إلي ذروتها في منتصف شهر أغسطس متوقعا ان تصل نسبة الارتفاع في هذه الفترة في أسعار العقارات السكنية إلي 40% مقارنة بأسعار ما قبل الصيف وان تصل في السكن السياحي إلي 30%، أما العقارات الفاخرة والتي يتراوح سعرها ما بين مليون ونصف المليون إلي مليوني جنيه فيتوقع ان يرتفع سعرها علي مدار فصل الصيف 10% فقط. ويبدو ان شهر يونيو لم يكن بداية الارتفاع في العقارات فقط فعلي مستوي السلع الاستهلاكية والمعمرة كانت هناك زيادة ملموسة في الأسعار حيث قالت لنا سامية الجندي رئيسة جمعية المعادي لحماية المستهلك: إن الجمعية تلقت بلاغات بارتفاع الأسعار في المنتجات الغذائية بما يتراوح بين 10 إلي 15% خلال الأسابيع الماضية. وتقول سعاد الديب رئيس اللجنة الإعلامية لحماية المستهلك إن التجار يتعمدون رفع الأسعار من شهر يونيو تدريجيا لتصل إلي ذروة ارتفاعها في شهر سبتمبر لتزامنه مع قدوم شهررمضان الكريم مستغلين زيادة الطلب في هذه الفترة بسبب اجازات العمالة المصرية في الخارج وعلاوة يوليو، مشيرة إلي أن هناك زيادة ملموسة في اسعار الزيت والدقيق واللحوم والبيض حيث ارتفعت كرتونة البيض من 9 إلي 12 جنيها وكيلو لحم الكندوز من 34 جنيها إلي 38 وفي بعض المحلات إلي 43 جنيها، علاوة علي ارتفاع اسعار السلع المعمرة كالغسالات والثلاجات السلع والتكييفات. اشتعال "إيجار" السيارات وبدون أدني شك فتأجير السيارة هو "لزوم الاجازة" لأي مصري عائد من الخارج في اجازة قصيرة، وكما يقول لنا جميل الشرقاوي أحد كبار تجار السيارات إن إيجار السيارات يرتفع في فصل الصيف من حوالي 120 جنيها إلي 150 و180 جنيها في اليوم كما ان الطلب يزيد علي السيارات الفاخرة التي يصل ايجارها إلي 1000 دولار في اليوم، ويلفت جميل إلي أن هناك ارتفاعات ملموسة في اسعار السيارات المستعملة في الموسم الصيفي. فيما يري ايهاب عبد العاطي صاحب معرض سيارات ان العائد من الخارج اجازة صيفية عادة ما يفضل شراء سيارة مستعملة وبيعها آخر الموسم حيث لا تقتصر التكلفة التي يتحملها علي إيجار السيارة وإنما يتم حساب الكيلو "بجنيه" أو "اثنين" بعد ان يقطع أول 100 كيلو وهو ما يجعل تكلفة السيارة المستعملة ارخص إذا ما كان يرغب في السفر للتصييف خلال الاجازة علاوة علي ارتفاع الايجار بسبب ضغط الطلب حيث تتراوح اسعار ايجارات موديل 2007 من 200 جنيه إلي 300 و350. التحويلات ووسط كل ذلك تبقي بارقة النور المتمثلة في تلك الطفرة الملموسة في قيمة تحويلات المصريين العاملين بالخارج منذ عام 2004 حيث وصل اجمالي هذه التحويلات في العام 2005/2006 إلي 2.5034 مليون دولار، وتتركز النسبة الأكبر من العمالة المصرية المهاجرة في العالم العربي حيث يصل عددها إلي 721763 من الذكور و27113 من الإناث كما هو وارد في الكتاب الاحصائي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لعام ،2006 إلا أن صابر بركات الخبير العمالي بمركز هشام مبارك يشير إلي أن هناك ظروفاً مستجدة علي سوق الخليج اثرت بالسلب علي العمالة المهاجرة لهذا السوق منها التدني في مستويات العمالة المطلوبة حيث تسعي دول الخليج للاعتماد علي العمالة الوطنية في الوظائف التكنوقراطية كما ينافس العمالة المصرية في هذا المجال من اليمن وفلسطين وسوريا والعراق بخلاف منافسة آسيوية شرسة مع العمالة الحرفية، علاوة علي انه علي الرغم من حدوث طفرة اقتصادية نتيجة الفوائض النفطية التي أتت في الخليج بعد فترة طويلة من الضغوط الاقتصادية إلا أن مستويات الأجور للأجانب لم ترتفع بما يناسب هذه الطفرة، كما يشير إلي انه لا يمكن اعتبار الأسواق النشطة في طلب العمالة الأجنبية مثل قطر والإمارات بديلا عن تباطؤ الطلب في الأسواق الكبري كالسعودية بسبب انخفاض اجمالي العمالة في هذه البلاد علاوة علي ان أغلب انشطتها ليست ذات طابع كثيف العمالة كأنشطة البنوك أو الإعلام.