أعرف نفين علوبة سوبرانو الأوبرا الرائعة من قرابة العشرين عاما، رأيتها مع خطيبها المايسترو شريف محيي الدين في بدايات تحول الحب إلي زواج، وشهدت غناءها علي مسرح الأوبرا لأكثر من أوبرا لموتسرات، وتابعت من بعد ذلك رحلتها مع شريف محيي الدين الفنان حيث يشارك كل منهما الآخر في رحلة البناء، وفي نفس الوقت يضيفان إلينا ابداعهم، ورغم ان ابداعهم الفني كثير، فإن واحدا من أعظم ابداعاتهم هو الابن سيف عازف البيانو الذي أتوقع له تفوقا علي مستوي الكون خلال سنوات قليلة. وعندما تأسست مكتبة الاسكندرية من خمس سنوات وقع اختيار اسماعيل سراج الدين علي شريف محيي الدين ليدير مركز الفنون في المكتبة، وكنت مندهشا علي ما أطلق عليه أنا "الجنون المشترك الصانع للمعجزات" نعم فأن تعيد احياء مكتبة الاسكندرية كبيت للحكمة في منطقة تلتحف بالتخلف وتنام علي حلم انقاذ المستقبل بواسطة زيارة الأضرحة، والغرق في مستنقع تحريم حقوق التنفس إلا بأمر أصحاب الفتاوي المضروبة، كل ذلك يؤجل استغلال الواقع لبناء المستقبل، فما بالنا بتأسيس صرح عملاق كمكتبة الاسكندرية، وما بالنا بإنشاء مركز للفنون الرفيعة بها من تصوير وموسيقي وعمارة وعلوم شديد المعاصرة، ولكن هي حكمة مصر الرفيعة التي أهدت العالم من قبل مدينة الاسكندرية، وأهدت الاسكندرية الكون القديم بمكتبة هي بيت للعلم. وهذا الاسبوع كنت في زيارة لبيت تجسيد الأحلام الكبيرة بالجهد المتواصل، وأعني به مكتبة الاسكندرية، وفوجئت بوجود معرض لأفيشات أفلام ميلينا ميركوري تلك الممثلة التي يعرفها العواجيز من أمثالي، وهي واحدة من أندر ممثلات النصف الثاني من القرن العشرين ووصل إبداعها إلي أعماق الدنيا عبر فيلمين أساسين هما "أبدا الأحد"، وفيلم "فيدرا" وهما الفيلمان اللذان شهدتهما القاهرةوالاسكندرية في أوائل الستينيات، وكان لهما أثر غير تقليدي علي المزاج النفسي للمشاهدين، وانطلقت ميلينا من بعد ذلك إلي الآفاق الرحبة حتي وصلت إلي منصب وزيرة ثقافة اليونان، وكانت حاملة لشعلة الحق في الاحلام البسيطة لكل ضعاف الكون وعندما اعتزلت التمثيل جاءها عاشق لفنها هو جورج بيليخوس، الذي دار في بلدان العالم وأسواقه مستكشفا رؤية صانعي ملصقات السينما لميلينا، فهي بالفعل آخر آلهة اليونان الجميلة، والتي جسدت مع كل من تيوداركوس الموسيقار، ومع كازينتزاكس الروائي جسورا ثلاثة لمسيرة إبداع نادر، علي الرغم من اختلاف انتماءاتهم السياسية. واقامت مكتبة الاسكندرية مهرجانا باسم النجمة الرائعة، ومعها معرض للملصقات التي تكشف رؤية أركان الكرة الأرضية لهذه الفنانة العظيمة. وحين جلست بجانبي نفين علوبة في اجتماع بمكتبة الاسكندرية وجدت في يدها كتابا شديد الضخامة عن تلك المناسبة، فقلت لها عن إذنك سأقترض الكتاب، مع العلم أني أعيد الكتب التي أقترضها ولا أسرقها، فضحكت وقالت هو "هدية لك"، وكانت تلك هي أجمل هدية تذكرني بأيام سكندرية حيث عشت كثيرا من اليونانيين وأحببتهم وعلي رأسهم مخالي صاحب الإليت الذي كان يراعي سيف وانلي فنان الإسكندرية الكبير بكل العناية الفائقة. شكرا نفين علي الكتاب الرائع، وفي انتظار ان أتلقي نسخة من أفلام ميلينا علي دي في دي كي أراها، من خلال زوجك الجميل شريف محيي الدين مدير مركز الفنون بالمكتبة، كي أستعيد زمنا جميلا، لأطل علي المستقبل بثقة في أن البشرية لن تغيب في آبار الجهل النشيط المتدفق في منطقتنا، بل يمكن لهذه المكتبة ان تزيل تراب الهموم والغيوم من علي بعض من وجوه الشرق الأوسط الغارق في دماء الكراهية من بغداد وحتي الأطلسي.