لمنصور حسن الأخ والصديق الكثير من الديون في رقبتي، لعل أهمها هو أني تعلمت منه ببساطة كيف أكون قادرا علي نفسي، وأن أدير الظروف مهما كانت صعبة دون أن أفقد ذرة واحدة من الكرامة المفترضة لكل إنسان. أقول ذلك وقد اقتربت منه لأربع سنوات أثناء عمله العام إبان توليه مسئولية وزارة الدولة لرئاسة الجمهورية، وكانت هذه الفترة من أصعب فترات العمل السياسي المصري، حيث لم يقبل العقل السياسي المصري اتفاقية كامب ديفيد، تلك التي صارت من بعد ذلك حلما عربيا يستحيل تحقيقه في ظروف التراجع المهولة التي عشناها من بعد جعجعة صدام حسين ضد الاتفاقية، ومن بعد احتلاله ودخوله إلي الحرب مع إيران، وتبددت الكثير من طاقة العرب في اللاجدوي. تعلمت من منصور حسن ببساطة شديدة أن التغيير علي مستوي الأفراد والشعوب يأتي من تقييم النفس، ومن مراجعة الكلمات قبل النطق بها، وأن يحاول السياسي أن يرفع من قيمة "السياسة" فلا يضعها بعيدا عن الخلق الرفيع. وحاولت أن أتعلم منه الرفعة عند الغضب، والدقة في اختيار الكلمة التي تصف ولا تجرح، وأن العفة في القول هي أبسط طريق إلي قلب من أمامك. وأسرني منه ما حدث في زحام تلك الظروف التي جمع فيها الأمن أسماء العديد من القوي السياسية كي يدخلوا المعتقلات في سبتمبر ،1981 ونمي إلي علمي أن من بينهم اثنين من أقرب أصدقائي وهما الزوجان محمود المراغي ونجاح عمر، ورجوته أن يتدخل لمنع اعتقال الصديقين، فما كان منه إلا أن قال: من يرجو استثناء اثنين من ألف وخمسمائة، فمعني ذلك أنه موافق علي اعتقال الباقين، وأنا قدمت استقالتي يا أستاذ منير. لم يختلف مع السادات بل رفض فكرة الاعتقال العشوائي، واَثر الخروج من بعد أن نال صداقة جميع القوي التي احتك بها وتعامل معها. ولابد أن أحكي موقفا شخصيا، فقد ذهبت ذات يوم لعلاج أسناني فطلب الطبيب تكلفة علاج تفوق قدراتي بكثير، وقلت للطبيب: انتظر حتي أبيع سيارتي واَتي لك بالمبلغ المطلوب، وبعد ساعة كان الطبيب يتصل بي في المنزل، ويقول إنه سيعالجني دون نقود، وكدت أفقد صوابي، وفي نفس اليوم وعلي طريقة أفلام السينما المصرية القديمة، شاءت الظروف أن أبيع حق نشر ثلاثة كتب في تربية المراهقين بمبلغ يفوق ما طلبه الطبيب، وحين ذهبت إليه بالنقود قال لي: إن السيد منصور حسن سيسددها نيابة عنك ورجاني ألا أخبرك، وشكرت لمنصور هذا الجميل، وأصررت أن أدفع أنا علاج أسناني بنفسي، واحتفظت بهذا الجميل، ومازلت أذكر أنه قاوم كثيرا ألا أتحمل أنا علاج أسناني بنفسي، إلي أن قلت له: إن هذا الأمر سيكسر من كرامتي وأنت ترفض ذلك، ووافق مشكورا علي أن أتحمل أنا نفقات علاجي. وأمس كان يوم زفاف ابنه عمر هذا الشاب اللامع العقل، وكان يجب أن أكون ضمن المدعوين لكن بعضا من الظروف "تكعلبت" بين مشكلات عائلية يجب مواجهتها، وبين ضرورة استقبال ابني العائد من الولاياتالمتحدة، ولم استطع أن أشارك في حفل زفاف عمر منصور حسن، علي الأقل لأرقب فرحة في عيون منصور حسن الذي تعود أن يعيش مع الكرامة والستر في اَن واحد ويطلبهما لكل من يعرفه. مبروك لك زفاف الابن يا منصور العزيز، وديونك قابلة للسداد في أفراح قادمة، فالبهجة مع أناس من معدنك حق لك علينا، لأن ما يبهج في عالمنا قليل للغاية.