يبدو أنه مقدر لدول الخليج العربية أن تدفع ثمن حروب وصراعات إقليمية لا ناقة لها فيها ولا جمل..! حدث ذلك مع الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات حيث فرض علي دول الخليج أن تقدم مساعدات مالية ضخمة لتمويل حملة صدام حسين العسكرية ضد إيران وخطر الثورة الخومينية، ثم حدث ذلك مع غزو صدام حسين للكويت عام 1990 وما تلاها من عملية تحرير الكويت عام 1991 وحيث دفعت دول الخليج أيضاً ثمن تمويل الحرب، ثم واجهت دول الخليج فيما بعد الغزو أو الاحتلال الأمريكي للعراق والإطاحة بصدام حسين، وقامت كذلك بتمويل هذه الحرب بعد أن عاشت في رعب من صواريخ صدام حسين ذات الرؤوس الكيماوية، وعاشت خوفا ورعبا هائلا من إمكانية إطلاق هذه الصواريخ المدمرة علي دول المنطقة انتقاما منها..! والآن يتكرر نفس سيناريو الرعب وإن كان بشكل مختلف هذه المرة..! ففي الحرب علي العراق.. وفي عملية تحرير الكويت كان الخوف من الأسلحة الكيماوية، أما الحرب الحالية التي قد تدور بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران فإن الخوف الأكبر هو من انتشار الإشعاع النووي إذا ما وجهت الولاياتالمتحدة ضربة للمنشآت والتسهيلات النووية الإيرانية، وهو ما يعني إمكانية انتشار وتسرب الإشعاعات النووية للدول الخليجية القريبة جداً من إيران والتي تقع علي بعد أميال قليلة منها..! وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي تطالب حاليا حكوماتها أن تعلن عن خططها في حالة اندلاع الحرب وحدوث السيناريو الأسوأ من الانتشار النووي، وهي مطالب مشروعة تعبر عن قلق عميق، ولكن ماذا في مقدور هذه الحكومات أن تفعل عمليا إذا ما تم ذلك؟ إنها لا تملك الكثير لتقدمه أو تفعله في هذا الشأن سوي تقديم التطمينات لمواطنيها وتخزين المواد الغذائية والأدوية، وقد تذهب إلي أقصي مدي ممكن بتوزيع "الكمامات" الواقية لاستخدامها عند اللزوم إن كانت مجدية حقاً..! ولا يملك الجميع إزاء ذلك إلا السعي في اتجاه تجنب الحرب، خاصة أن الخطر لا يتعلق بالتسرب النووي فقط وإنما يمتد إلي احتمالات وقوع هجمات وتفجيرات في العديد من دول الخليج العربية بفعل الخلايا النائمة التابعة لإيران والتي ستسارع بفتح العديد من الجبهات والقيام بهجمات انتحارية انتقامية ضد الأهداف الأمريكية في هذه الدول. وبالإضافة إلي ذلك فإن هناك خطرا آخر يتمثل في الصواريخ التي تعهدت إيران مؤخرا بإطلاقها في كل مكان إذا ما تعرضت للهجوم، وهو أمر قد يعني تساقط العديد من الصواريخ العشوائية الإيرانية علي عدد من دول الخليج. وقد تكون كل هذه المخاوف مجرد مبالغات ومن أساليب الخداع تماما كما حدث من قبل مع العراق وحيث كان البعض يردد أقاويل مماثلة ويحذر من انتقام صدام الرهيب وثبت بعد ذلك أن الجيش العراقي كان مجرد جيش من القرون القديمة لا علاقة له بالحرب التكنولوجية الحديثة التي تدار من السماء وتحقق أسرع النتائج في وقت قصير، وهو ما قد ينطبق علي الجيش الإيراني أيضا الذي لا يختلف كثيرا في أساليبه وتسليحه عن الجيش العراقي..! ولذلك فإن أصحاب هذا الاتجاه يقولون إن الحرب علي إيران قد تبدأ وتنتهي قبل أن تستعيد إيران توازنها وتقوم بأعمال وهجمات انتقامية، وأنها لن تغامر بأية أعمال من هذا النوع خوفا من أن تنال عقابا تدميرياً أشد من الولاياتالمتحدة يعيدها إلي القرون الوسطي..! ويراهن البعض الآخر علي أن الحرب الأمريكيةالإيرانية لن تقع علي أية حال، وأن القيادة الإيرانية من الذكاء بحيث ستتراجع وتلين مواقفها في اللحظات الأخيرة وستصل إلي صيغة اتفاق يجبر الولاياتالمتحدة علي التخلي عن خيار الحرب وينقذ ماء الوجه لكل الأطراف ويحفظ لإيران حقها في تطوير برامجها النووية للاستخدامات السلمية وأن هناك مؤشرات كثيرة علي دور أوروبي نشط للوصول إلي اتفاق في هذا الشأن. ويستند هؤلاء في تأكيداتهم إلي أنه ليس صحيحا أن إيران قد اقتربت من صناعة قنبلتها النووية الأولي، ويؤكدون أن تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الأخيرة حول إنتاج إيران اليورانيوم بكميات صناعية هي تصريحات مضللة، فإنتاج اليورانيوم بهذا الشكل أمر صعب جداً، ولذلك فالطريق مازال طويلا أمام إيران قبل التوصل إلي صناعة قنبلتها النووية الأولي. وطبقاً لتقرير نشر في صحيفة "الديلي تلجراف" البريطانية فإن إيران لن تكون قادرة علي صناعة قنبلتها النووية الأولي قبل أربعة أعوام، وغير قادرة علي نشر أسلحة نووية عمليا قبل ثمانية أعوام..! وهذا يعني بالطبع أن الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران ليست وشيكة وأن ما يحدث حاليا هو نوع من المناورات السياسية، ولكنها مناورات أصابت شعوب دول مجلس التعاون بالرعب والقلق وأعادت إلي الأذهان أجواء حزينة كتب علي هذه المنطقة أن تعيشها بين الحين والحين..! [email protected]