الأحوال لا تسر في سوق الحديد. الأسعار ترتفع.. وكما يؤكد خبراء الصناعات المعدنية فهي تعبر عن أزمة مرشحة للانفجار الشهر القادم عندما ينفد مخزون البليت الذي اشترته المصانع بالأسعار القديمة وتتوقف عن شراء كميات جديدة منه ويحذر بعضهم من أن هناك مصانع عديدة للدرفلة سوف تغلق أبوابها نتيجة هذه الأزمة بما سيعمل علي وجود محفز آخر لاشتعال الأسعار. وهكذا كانت رؤاهم.. يحرص محمد سيد حنفي مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات علي الإشارة إلي انه منذ اليوم الأول لصدور قرار المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة بفرض رسم صادر علي الحديد والأسمنت أكدت غرفة الصناعات المعدنية انه لن يؤثر في خفض أسعار الحديد في السوق المحلي نظرا لأن ارتفاع أسعار البليت في السوق العالمي هي التي تحدد أسعار الحديد في السوق المصري ولا علاقة للكمية المطروحة من الحديد في السوق المصري بتحديد السعر. ويوضح حنفي ان الأسعار العالمية للحديد قد شهدت ارتفاعا مطردا خلال الأشهر الثلاثة الماضية وهو ما أدي لارتفاع الأسعار في مصر، ويفسر انخفاض أسعار الحديد في اعقاب قرار المهندس رشيد بفرض رسم الصادر علي حديد التسليح المصري، بتحمل المنتجين لجزء من العبء حيث استطاعوا تصريف جزء من مخزون الحديد لديهم والذي سبق لهم شراؤه بأسعار منخفضة، كما تحملوا جزءا من الخسارة ولكن بعد نفاد المخزون من الحديد عادت الأسعار للارتفاع لارتباطها بأسعار البليت المرتفعة في السوق العالمي، وكان لابد من الاستجابة تدريجيا لارتفاع أسعار الخامات برفع أسعار المنتجات من الحديد. ويؤكد مدير غرفة الصناعات المعدنية ان ظروف عدم الاستقرار التي أصابت سوق الحديد ساعدت علي حدوث الانحرافات وسوء التصرف من بعض عناصر دائرة تسويق الحديد من منتجين وموزعين وتجار ومستهلكين، وهو ما دفع بعض المنتجين أيضا إلي تخفيض الكميات المتاحة في السوق من الحديد لتقليل خسائرهم إلي الحد الأدني أو لتلافي تحمل خسائر، في حين قام بعض الموزعين بحجب منتجات الحديد لأطول فترة ممكنة توقعا لارتفاع الأسعار، كما قام بعض صغار التجار كذلك بالاحجام عن التعامل في نفس الكميات من الحديد التي اعتادوا عليها بسبب عدم الثقة في استقرار الأسعار، في حين رأي بعض المستهلكين ان أسعار الحديد يمكن ان ترتفع قريبا فقاموا بشراء كامل احتياجاتهم بدلا من شرائها علي دفعات كما هو متبع. ويشير إلي ان كل هذه التداعيات توضح ان كل حلقات تداول الحديد واجهت الموقف بارتباك مما أحدث زيادة في الطلب علي الحديد وساعد علي ارتفاع غير مبرر في سعره. ويوضح سيد حنفي ان مصانع الحديد في مصر تعمل بحوالي 75% من طاقتها وتستهلك احتياجات السوق المصري حوالي 70% من طاقات هذه المصانع ولا يزيد حجم التصدير علي ال 5% الباقية من الإنتاج، وبذلك فإن الحد من التصدير بفرض رسم صادر لن ينعكس علي انخفاض أسعار الحديد لعدم وجود نقص في المعروض في السوق المصري، ويصف سيد حنفي قرار رشيد بأنه جاء استجابة للضغط الإعلامي الذي مارسته الصحافة ضد المسئولين. كما يري جمال الجارحي أحد منتجي الحديد انه لا توجد أزمة في صناعة الحديد وإنما تمت صناعة هذه الأزمة، مشيرا إلي ان الحديد لا يمثل سوي نحو 10% من تكلفة البناء، في حين ان تكاليف تشطيبات البناء تفوق تكاليف الحديد.. وتساءل الجارحي كيف يمكن دفع مصانع الحديد لتحقيق الخسائر تحت اسم ميثاق الشرف.. وكيف يمكن لمنتج حديد ان يتحمل تكاليف اصلاح ماكينة بمليون جنيه مثلا إذا لم يستطع ربح هذا المبلغ؟! ويطالب الجارحي بحساب التكلفة الفعلية لطن الحديد حتي يمكن تحديد السعر العادل لبيعه حتي يكون لا ضرر ولا ضرار، موضحا ان وزارة التجارة والصناعة تستطيع ببساطة الإطلاع علي سعر البليت في مختلف دول العالم والتأكد من ان مصر هي أرخص دولة في سعر حديد التسليح، واوضح ان تكلفة طن حديد التسليح حاليا وصلت إلي 3780 جنيهاً بدون أي أعباء بنكية في حين تضطر المصانع للبيع ب 3550 جنيه للطن أي أقل من سعر التكلفة. ويلفت الجارحي إلي ان ميزانية مصانع الحديد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة جاءت محققة للخسائر، ويقول: الممكن في وقت الأزمة ان تتغاضي عن الارباح ولكن لا يجب إلزامنا بتحقيق خسائر. يضيف طارق الجيوشي رئيس مجلس إدارة مصنع آل عطية ان مصانع الدرفلة التي تعتمد علي البليت المستورد أوشكت ان تحتضر، موضحا ان طن الحديد الذي يباع الآن ب 3550 جنيهاً تصل تكلفته إلي 3750 جنيهاً، مشيرا إلي ان المصانع الآن تعتمد علي تصريف المخزون الموجود لديها بعد ان توقفت عن شراء البليت. ويتساءل الجيوشي عن معني ميثاق الشرف، موضحا انه جملة لتذويق الكلام في حين ان الواقع يظهر ان لدينا مصانع تم إغلاقها وأخري ستغلق وعمالة ستشرد، موضحا ان مصانع الدرفلة التي تمثل حوالي 25% من سوق الحديد والمهددة بالغلق ستؤدي إلي مزيد من ارتفاع أسعار الحديد. ويحذر الجيوشي ان أزمة الحديد الحقيقية ستبدأ من الشهر القادم بعد ان ينفد المخزون المتاح لدي المصانع وإحجام هذه المصانع عن شراء البليت في ظل الأسعار الحالية، إلا انه يؤكد في نفس الوقت ان الحفاظ علي سعر منخفض للحديد أمر ممكن بشرط ان يتم تدبير احتياجات المصانع من البليت بسعر يسمح للمصانع بتحقيق هامش ربح معقول، ويمكن تحقيق ذلك إما في خلال شركة الحديد والصلب المصرية بسعر مدعم أو من خلال زيادة عرض البليت من خلال وقف تصديره أو من خلال إنشاء مصانع جديدة للبليت وتساءل الجيوشي: إلي متي يمكنني ان اتحمل حوالي 3 ملايين جنيه شهريا خسائر نتيجة لفرض سعر يقل عن سعر التكلفة؟ ويأتي كل ذلك فيما أكد أحد المقاولين فضل عدم ذكر اسمه ان ما يحدث في سوق مواد البناء يعتبر صراع مصالح بين رغبة الحكومة في السيطرة علي أسعار مواد البناء التي انفلتت بشكل غير مبرر مؤخراً، وبين رغبة منتجي الحديد والأسمنت في الحفاظ علي ارباحهم الفلكية دون المساس بها ودلل المقاول علي كلامه بتوقف أية تسليمات للحديد من تجار الجملة في الأيام الأخيرة، واعتبر ذلك تواطؤاً بين منتجي الحديد وتجار الجملة الكبار لتعطيش السوق ورفع الأسعار. وأضاف المقاول ان المناقصات عادة ما تستغرق عدة أشهر لترسيتها وبالتالي فإنه في ظل التقلبات المستمرة في أسعار مواد البناء يصعب علي المقاولين الدخول في مناقصة مما أصابهم بالركود.