يظل اختيار اسماعيل سراج الدين للمايسترو شريف محيي الدين كمسئول عن الفنون في مكتبة الاسكندرية عملا بارزا يثبت فيه شريف انه مخلوق للحياة في القرن الواحد والعشرين ويتمتع اسماعيل سراج الدين بهذا الاختيار حين يجد صديقا اصغر عمرا يستطيع ان يعطي ويستكشف ويضيف. اقول ذلك بمناسبة العديد من المناسبات التي حضرتها في مكتبة الاسكندرية وكان الداعي لاقامتها هو شريف محيي الدين. بداية من رؤية عارف البيانو المعجزة الشاب الصغير سيف محيي الدين نجل شريف ومرورا برؤية عدد من اللوحات التي قام برسمها الفنان النادر الوجود ابراهيم الدسوقي فهمي عن منطقة الملاحات وهي لوحات يمكن ان تخلد بنضارة غير مسبوقة. ولكن ما اثار خيالي هو ما وصلني من موجز عن بينالي الكتاب المنعقد الان في المكتبة ولو كان عندي وقت لاخذت القطار كي اري تلك الطفرة الخيالية التي تجري حاليا في ورشة من فنانين مصريين وعالميين عن شكل الكتاب في القرن القادم. ومن المؤكد ان شكل الكتاب سوف يتغير فقد تغيرت وسيلة التواصل منذ اواخر القرن العشرين فقد مرت ثلاثة الاف سنة تقريبا منذ ان اخترع المصريون الورق من نبات البردي وتطورت رحلة انتاج الكتاب عبر تلك السنوات الالاف واصبح من المتفق عليه ان يوجد الكتاب مطبوعا ولكن حدث ان جاء تلميذ لم يكمل دراسته الجامعية هو بيل جيتس وطور استخدام الكمبيوتر وصار اي كائن منا قادرا علي ان يحمل في يده جهاز معدني هو الكمبيوتر المحمول واستفاد هذا الكمبيوتر من تطور شبكة الانترنت وصار الان شكل الكتاب مختلفا، فبدلا من الورق والحبر والطباعة التقليدية صارت هناك نبضات ضوئية غير مرئية تحمل الكلمات والافكار عبر الجو ويمكن بضغطة زر ان تقرأ ما اصدرته لندن او واشنطن وانت في طوكيو عبر ثوان بسيطة ويمكنك ان تستدعي مكتبة الكونجرس بكل ما فيها من كتب بضغطة زر وهناك كاتب عبقري من كبار كتاب الكون هو امبرتو ايكو وهو من اذهل العالم من قرابة العشرين عاما برواية اسم الوردة التي تحكي عن خوف الفاتيكان من ان يكتشف واحد من اجيال المستقبل اسرار الماضي وكيف يولد التحجر في الفكر.. امبرتو ايكو هذا جاء الي مكتبة الاسكندرية كفيلسوف ومفكر وألقي محاضرة عن التحول الذي يطرأ حاليا علي الذاكرة البشرية وهو تحول الطباعة من شكلها التقليدي كأفكار علي الورق المصنوع من النبات الي افكار تنتقل بالنبضات علي اجهزة معدنية هي الكمبيوتر. والتقط كل من الفنان المبدع مصطفي الرزاز المشرف علي الفن التشكيلي تلك الفكرة وطورها هو وشريف محيي الدين لتبدأ رحلة جديدة من تأمل الخيال للتحولات في شكل الذاكرة من ورق نباتي الي اجهزة معدنية.. وجاء هذا البينالي ليكون خبرة بشرية تطل علي المستقبل. وبطبيعة الحل، يظل لدي امل عند الدكتورة نهي عدلي مديرة المركز الدولي للتواصل والاتصالات عبر شبكة الانترنت وهي التي تطور في عمل مكتبة الاسكندرية عبر هذا المعهد الدولي لتضيف لنا علي شاشة الانترنت فرصة رؤية افلام مصورة عن تلك المناسبات الكبيرة التي يمكن ان نراها ونحن امام اجهزة الكمبيوتر بدلا من الانتقال من القاهرة الي الاسكندرية كي نري ونشارك. مبروك هذا البينالي والذي سوف اراه حين اوجد خلال الشهر القادم بالاسكندرية ولكني عاتب علي تأخر انتاج افلام فورية كما تفعل محطة السي ان ان ، والبي بي سي فنري ما يحدث في المكتبة لحظة حدوثه ويمكننا استدعاؤه وقتما نريد فليس من المعقول ان نري علي شاشة الكمبيوتر مشهد اعدام صدام حسين مثلا ولا نري هذا البينالي الذي يطل علي شكل المستقبل. منير عامر