لم تجاف ايران المنطق ولم تتجاوز الحق عندما احتجزت في 23 من الشهر الماضي خمسة عشر بحارا بريطانيا دخلوا مياهها الاقليمية بشكل غير قانوني.. وأجادت ايران توظيف الحدث بصورة كشفت بها عورة بريطانيا التي سقطت هيبتها منذ زمن وتأكد هذا في اعقاب سياسة التبعية لادارة بوش التي انتهجها توني بلير وتسببت في سقوط مصداقيته واهتزاز صورته لاسيما بعد ان خلع عليه البعض لقب كلب بوش.. وبالتالي لم تعد بريطانيا عظمي بأي حال ولم تعد الجنسية البريطانية تمنح حاملها حماية أو حصانة بل علي العكس عبأت الكثيرين بكراهيتها وافقدتها القدرة علي التصرف في المواقف الحساسة. صلف بريطاني وبدلا من ان تشرع بريطانيا منذ البداية في تقديم اعتذار عما حدث لاسيما ان البحارة اقروا بانتهاك المياه الاقليميةالايرانية، وبدلا من ان تتعهد لايران بعدم تكرار الواقعة شرعت في انكار ما اقر به بحارتها وادعت انهم كانوا في المياه الاقليمية العراقية اثناء عودتهم من تفتيش سفينة تجارية في اطار تفويض الاممالمتحدة الممنوح لما يسمي بقوات التحالف في العراق بل وأثارت صخبا وصعدت الامر في المحافل الدولية وتحدثت بلغة استعلائية رغم انها هي المخطئة وليست ايران ابي عليها صلفها ان تقر بالخطأ وتلجأ إلي الاسلوب الدبلوماسي لحل القضية مع ايران سلميا ومن ثم راح بلير يصعد المواقف ويهدد بان بلاده ستتخذ موقفا اكثر حزما في حال فشلت المحادثات ولم يتم اطلاق سراح بحارته. وسارع واستعان بمجلس الامن الدولي بدعوي طلب اعمال القانون.. وغاب عنه ان اشارته الي القانون لا تستند الي اساس اخلاقي لاسيما ان بريطانيا هي التي تجاهلت الاممالمتحدة عندما شاركت امريكا في غزو العراق في مارس 2003. التحرش بإيران لقد تبني توني بلير سياسة بوش ومضي في عملية تحرش بايران ويكفي ان بلاده متورطة في الاضطرابات التي يشهدها اقليم خوزستان الايراني المجاور للعراق وداعمة لسياسة ادارة بوش في التحرش بايران ومحاولة عزلها وتصعيد المواقف معها حول ملفها النووي لارغامها علي وقف تخصيب اليورانيوم.. والغريب ان حكومة بلير سارعت فأبدت استهجانها للصور التي بثتها قناة "العالم" الايرانية للبحارة البريطانيين اثناء اعترافهم بدخول مياهها الاقليمية واثناء تناولهم للطعام ولعبهم للشطرنج وتبادلهم الحديث فيما بينهم وسط المعاملة الطيبة التي حظوا بها.. لقد رأت حكومة بلير في بث هذه الصور تليفزيونيا مهزلة الغرض منها التأثير علي الداخل الايراني والعالم العربي ورأت ان نشر صورهم عملية مشينة وغير مقبولة بالمرة علي اساس انها تسبب جذعا لاسر البحارة!! الغرب المريض..!! إنها وقاحة الغرب المريض.. لقد نسيت حكومة بلير صور التعذيب التي بثت علي شاشات التليفزيون للمعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب.. صورهم وهم عراة والانتهاكات الجنسية التي كانت تمارسها القوات الامريكية معهم ويجري التلذذ بصعقهم بالكهرباء في اماكن حساسة من اجسادهم ونسيت صور الجنود البريطانيين وهم يعتدون بالضرب المبرح علي فتية عراقيين لم يبلغوا الخامسة عشرة من عمرهم.. الفرق شاسع والفجوة واسعة تؤكد فجاجة ووقاحة الامبراطورية التي غابت عنها الشمس.. ومن ناحية اخري تظهر الصورة الانسانية المتحضرة التي تعاملت بها ايران الدولة الاسلامية.. ولا وجه للمقارنة والقياس مع الفارق. منطق قلب الحقائق كان متوقعا ان تبادر بريطانيا بقلب الحقائق وسوق الاكاذيب علي لسان بحارتها الذين ما ان وصلوا الي بلدهم بعد اطلاق سراحهم من قبل احمدي نجاد حتي اتهموا السلطات الايرانية بسوء معاملتهم والادعاء بانهم كانوا في المياه الاقليمية العراقية وانه قد تم حبسهم انفراديا وان الايرانيين ابقوهم معصوبي العينين ومقيدي اليدين وفي عزلة وهددوهم بالسجن سبع سنوات علي الاقل. هناك فرق لهذا اصابت صحيفة "الاندبندانت" البريطانية عندما حملت علي بلير ومحاولاته استعادة السيادة الاخلاقية التي فقدتها بريطانيا لصالح الرئيس الايراني بعد قرار الافراج عن البحارة الخمسة عشر.. نعم لقد أبي بلير السماح لصورة ايرانالجديدة المتمثلة في اظهار حسن النوايا بان تترسخ في وجدان البريطانيين فكان ان لجأ الي التذكير بالوجه الاخر من النظام الايراني، اراد اظهار الوجه القبيح العدواني ليمحو من الاذهان السلوك الانساني الحضاري الذي سلكه محمود احمدي نجاد باطلاق سراح البحار مطبقا من خلاله مبدأ العفو عند المقدرة. ولاشك ان حكومة بلير هالها الاداء الايراني الذي اتسم بالذكاء والحنكة وجمع بين القوة والدبلوماسية وما خلفه هذا من انعكاسات ايجابية لدي الرأي العام البريطاني.. اراد بلير شطب هذا الانطباع وبالتالي املت وزارة دفاعه علي البحارة تغيير شهادتهم بحيث يظهرون السلطات الايرانية بانها كاذبة ومضللة.. ايا كان الامر فلقد احرزت ايران نصرا مزدوجا في ازمة البحارة.. وذلك عندما احتجزتهم وادارت الآلة الاعلامية بحرفية لتسجيل وقائع تعاملها معهم.. وعندما وقف الرئيس الايراني بنفسه ليعلن الافراج عن البحارة ويقدمه هدية للشعب البريطاني فأنهي الازمة بصورة دبلوماسية فريدة يحسد عليها من قبل الكثيرين خاصة من حكومة بلير التي ادارت الازمة بطريقة هوجاء عكست غباء رئيس الوزراء وانعدام حنكته.