يأتي انعقاد قمة الرياض في المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة العربية علي خلفية جملة من التداعيات ربما أبرزها حالة التوافق الفلسطيني التي تمت عبر اتفاق مكة وعودة الحياة إلي المبادرة العربية التي باتت هي الخطة الواقعية الوحيدة المطروحة لتشكل انطلاقة حقيقية لعملية تفاوضية في حال توافر الشريك الاسرائيلي هذه المرة بعد ان تم تجاوز الساحة الفلسطينية للخلافات المتعلقة بالمبادرة العربية وتوافق حركتي فتح وحماس علي الالتزام بها واحترامها ورغم تزايد الحديث حول إمكانية تعديل المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 بفعل الجهود التي تحاول إسرائيل بذلها مدعومة بالشريك الأمريكي لإجراء تعديلات جوهرية علي المبادرة خاصة ان هذه المبادرة كان قد رفضها ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق في حينه لكن يبدو ان اسرائيل غيرت مسار تفكيرها المباشر في افشال أي توافق عربي بالالتفاف حول هذا التوافق إذ أعلن أولمرت انه يجد في المبادرة العربية ايجابيات يمكن أن تشكل انطلاقة للعملية التفاوضية. ان هذا الموقف المراوغ انما يعكس محاولة اسرائيلية للاشارة إلي ان حكومة اولمرت تريد التعاطي مع المبادرة العربية بشكل ايجابي غير ان الاشتراطات التي وضعتها لمثل هذا التعاطي انما تنسف بالكامل جوهر المبادرة العربية خاصة فيما يتعلق بحق الفلسطينيين بالعودة إلي أراضيهم وفقا لقرارات المنظمة الدولية بهذا الشأن مما يعكس ان اسرائيل في حقيقة الأمر ليست في وارد التعاطي مع أي شكل من اشكال التفاوض لا علي أساس خريطة الطريق ولا المبادرة العربية حتي بعد التعديل. ولم يكتف اولمرت بتعديل المبادرة العربية حول حق العودة بل ايضا ذهب الي المطالبة بعدم تشبث العرب بخطوط الرابع من يونية 1967 ووفقا لخطة شارون عام 2005 فان اسرائيل تريد انتزاع 12% من اراضي الضفة الغربية دون احتساب انتزاع القدس وانتزاع 600 كيلو متر مربع من صحراء سيناء حيث تضم إلي قطاع غزة مقابل 600 كيلو متر هي 12% من اراضي الضفة المنتزعة وتعوض مصر بناء علي هذه الخطة بمنحها 150 كيلو مترا مربعا من النقب الجنوبي فمنذ الفترة الفاصلة بين قمة بيروت وقمة الرياض اجرت الحكومة الاسرائيلية تعديلات جوهرية علي الحدود مع الدولة الفلسطينية وعلي رأسها بناء جدار الفصل العنصري لتحديد ملامح الحدود الإسرائيلية. ويبدو ان وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس قد استبقت من خلال جولتها المكوكية للشرق الاوسط قرارات قمة الرياض التي قد ترفض تعديل المبادرة العربية كما تريد اسرائيل فحالة الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة واجتماع رايس بوزراء خارجية الرباعي العربي ورؤساء اجهزة مخابراتها يظهر اهتماما واضحا من قبل الإدارة الأمريكية تجاه تعديل هذه المبادرة. إن اسرائيل التي تطالب بتعديل المبادرة العربية لم تقدم أية حلول حتي الآن تجاه عملية السلام فلا تزال المستوطنات جاثمة علي قلوب الفلسطينيين بل وفي حالة تزايد مستمر وتستكمل بناء جدار الفصل العنصري وتصر علي مواصلة الحفريات في القدس بما يضر بالمسجد الأقصي وترفض التعامل مع الحكومة الفلسطينية وفي ضوء كل هذا تطالب بتعديل المبادرة العربية بما يتماشي مع مصالحها فقط. والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت الدول العربية وعلي رأسها السعودية صاحبة المبادرة تصر علي التمسك بها دون تعديل فلماذا إذاً تخرج تصريحات مغايرة من بعض المسئولين والتلميح بامكانية تعديلها لتحريك عملية السلام المجمدة؟ إذا تم التعديل الذي تطالب به اسرائيل وتلح فيه الولاياتالمتحدة فهل يمكن لاسرائيل ان تقيم السلام المطلوب منها؟ أم أنها ارادت ان تستثمر الجوانب الايجابية الخاصة بمصالحها وهي تطبيع العرب معها دون تقديم أية استحقاقات من جانبها؟ لكن يبدو ان اسرائيل تسعي من خلال اطلاق هذه التصريحات ان يشكل مؤتمر القمة العربي في الرياض منصة لانطلاق افكارها الضاغطة في هذا الاتجاه والمناورة التي اقدم عليها أولمرت لتبني المبادرة العربية ما هي إلا خطوة لتمرير اشتراطاته التي لم تقبل بها أية دولة عربية حتي الآن فسواء تم تعديل المبادرة أم لم يتم فإن اسرائيل لن تغير من سياستها ومخططاتها التوسعية شيئا!!