يتطلع الرأي العام العربي إلي قمة الرياض العربية، وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج لصالح الأمة وما ينتظره العرب ، هو أن يخرج الحكام العرب من صمتهم ولا مبالاتهم تجاه ما يؤثر علي المسار العربي والمصالح العربية، إن ما يجري في العالم العربي يفرض علي الزعماء العرب النظر في الوضع العربي بما يصون مصالح الأمة الحيوية، وبما يجعل من الكيان العربي ، كيانا فاعلا علي الساحة الدولية، وفي هذا الإطار، فإن من الأولويات المطروحة علي الحكام العرب ، رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ودعم نضاله المشروع من أجل دولته المستقلة، كما هو مطروح عليهم العمل علي تجنيب لبنان كل ما يمكن أن يعمق الصراع الطائفي، علاوة علي ما يستوجبه الوضع في العراق من مواقف حاسمة تجاه الاحتلال الامريكي والحرب الأهلية التي حصدت عشرات الآلاف من العراقيين ، وشردت الملايين وحولتهم إلي لاجئين، إن كل هذا وغيره يطرح علي الزعماء العرب التحرك وفق منهجية جديدة، قوامها التضامن لمصلحة العرب. ويجدر في هذا الإطار، التنويه بالتحرك الدبلوماسي السعودي الذي أدي إلي اتفاق مكة بين الفلسطينيين ، وإلي اللقاء الإيراني - السعودي والمحادثات والاتفاقات التي أسفرت عنه، والتي من شأنها أن تنعكس علي تصفية الأجواء في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالنزاع المفتعل بين السنة والشيعة... قمة الرياض المنتظر انعقادها في نهاية هذا الشهر، قمة يراهن عليها العرب، للخروج بالأمة من حالة الانكسار والضعف، الي حالة جديدة يكون فيها الصوت العربي مسموعا في الساحة الدولية. وهناك في الأوساط العربية من يتحدث عن تعديل المبادرة العربية للسلام في قمة الرياض المقبلة، وبالطبع في سياق تعديل الفقرة المتعلقة بحق العودة للاجئين الي الأراضي المحتلة عام ،48 مشيرا في هذا السياق إلي لقاءات هنا وهناك شارك فيها الأمير بندر بن سلطان، الرجل الاكثر نشاطا في الدبلوماسية السعودية خلال الشهور الأخيرة. لكن مزيدا من التدقيق في المشهد السياسي لا يرجع وقوع أمر كهذا خلال القمة المقبلة، والرياض التي وقفت خلف مبادرة السلام في قمة بيروت 2002 سيكون من الصعب عليها العودة عن واحدة من أهم فقراتها، حتي لو كانت فقرة أضيفت إلي النص تبعا لإصرار سوري لبناني، مع العلم بأن حديث المبادرة عن حق العودة ليس جديا، إذ يتحدث عن حل بالتوافق يستند إلي القرار رقم ،194 الأمر الذي يرجع التعويض أكثر من العودة الحقيقية. لو كانت هناك نوايا من هذا النوع لما بادرت الدبلوماسية السعودية إلي نقل القمة من شرم الشيخ إلي الرياض، بما ينطوي عليه ذلك من تحمل لتبعات التراجع أمام الجماهير العربية، ولو كان ثمة توجه من هذا النوع لما بادر الأمين العام للجامعة العربية إلي نفي ذلك علي نحو حاسم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كان حق العودة للاجئين هو الذي وقف حائلا دون التسوية خلال المراحل السابقة حتي تطالب القمة العربية بالتنازل عنه لكي يغدو الطريق سالكا أمام قطار السلام، أم أن اسبابا أخري كثيرة هي التي فعلت ذلك؟ واقع الحال هو أن حق العودة لم يكن يحل يوما دون التسوية، لاسيما في ظل مسيرة أوسلو، وفي كامب ديفيد2 لم يكن هذا البند هو المعطل للصفقة، ولو دفع الإسرائيليون الاستحقاقات الأخري علي صعيد السيادة والمساحة والقدس والأقصي لما تردد عرفات - رحمه الله - في تجاوز هذا الملف، وهو طالما تحدث في هذا الشأن للصحف الإسرائيلية، الأمر الذي ينطبق علي خلفه "أبومازن" الذي تحدث مرارا عن أن اللاجئين الفلسطينين مرتاحون في اماكن تواجدهم في الأردن والولايات المتحدة بما ينطوي علي تنازل واضح عن حق العودة للأراضي المحتلة عام ،48 دون التنازل عن حق التعويض الذي لن يدفع من جيب الإسرائيليين بالتأكيد. لا يستبعد بالطبع أن يكون هناك - من بين المحاور العربية - من يمكن أن يروج لتعديل المبادرة العربية ولمنطق هجوم السلام وإحراج الخصم الإسرائيلي، وهو منطق ثبتت عبثيته؛ إذ إن جميع التنازلات التي قدمها العرب لم تزد الطرف الإسرائيلي إلا تعنتا، ونتذكر كيف رد شارون علي مبادرة بيروت بإعادة احتلال الضفة الغربية. ربما أراد البعض من خلال الترويج لإمكانية قيام القمة العربية في الرياض بتعديل المبادرة العربية أن يظهر عدم التعديل بوصفه موقفا عظيما يستحق من حركة حماس أن تبادر إلي الاعتراف بالمبادرة، الأمر الذي لن يغير في واقع الحال شيئا؛ لأن ما يطلبة الأوروبيون عمليا، ليس الاعتراف بتلك المبادرة، بل بشروط الرباعية الدولية. من هنا يبدو من العبث أن يروج البعض لمنطق التراجع عن المبادرة بصرف النظر عن نواياه، والأصل أن يطالب الطرف الآخر بتقديم المبادرات والطرف الآخر ليس الإسرائيلي فحسب، ولكنه الأمريكي أيضا، لاسيما بعد أن منح بوش لشارون الوعد الشهير الذي وضع سقفا لمفاوضات الوضع النهائي لا ينسجم مع القرارات الدولية والمبادرة العربية ليس فيما يتعلق بحق العودة فقط، ولكن المستوطنات والمساحة أيضا، فضلا عن القدس التي تأتي تحصيل حاصل هنا. ليس لدي الاسرائيليين والأمريكان هذه الأيام سوي الدولة المؤقتة ومن العبث أن يرد علي هذا الموقف بتنازل جديد لاسيما في ضوء تراجع السطوة الأمريكية علي العالم علي نحو مضطرد فيما تسجل ربيبتها العبرية اخفاقا إثر آخر مازال يترك آثاره علي بنيتها السياسية والعسكرية في نفس الوقت.