في أوائل عام 2005 تم الإعلان عن برنامج مصري للإصلاح المصرفي عرضه االدكتور فاروق العقدة محافظ البنك لمركزي وذكر سيادته أن دراسته استغرقت ثمانية أشهر تقريبا وتمت مناقشته مع الحكومة ولجنة السياسات بالحزب الوطني ثم جري إعلانه تفصيليا محليا وخارجيا وللمؤسسات الدولية ومن بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكان ذلك أثناء اجتماع اتحاد المصرفيين العرب الذي انعقد خلال شهر ابريل عام 2005 في شمال الولاياتالمتحدة لأمريكية وبحضور عدد كبير من رجال المصارف والنقد. وفي ضوء تصريحات السيد المحافظ فإن البرنامج يتكون من خمسة محاور: (أولا) المحور الأول يتمثل في دمج البنوك الصغيرة بغرض تقوية الكيانات المصرفية من حيث ملاءة رأس المال والمخصصات والإدارة الرشيدة وبما يتفق مع أحكام قانون البنك لمركزي والجهاز المصرفي والنقد الذي ينص علي أن يكون الحد الأدني لرأسمال البنك 500 مليون جنيه. (ثانيا) المحور الثاني يتمثل في خصخصة أحد بنوك القطاع العام وقد تم اختيار بنك الاسكندرية لهذا الغرض علي أن تنتهي عملية خصخصته قبل نهاية 2005 وبهدف تدعيم المنافسة في الاسواق ومنع الممارسات الاحتكارية (تم فعلا بيع بنك الاسكندرية منذ أشهر إلي بنك سان باولو الايطالي). (ثالثا) المحور الثالث يتمثل في خصخصة مساهمات البنوك العامة في البنوك المشتركة تمهيدا لدمج هذه البنوك لإيجاد كيانات مصرفية أكثر قوة وقدرة علي المنافسة (تم فعلا خصخصة أغلب هذه المساهمات إلي جهات أجنبية من بينها صندوق "ريبللوود" الأمريكي وبنك كاليون الفرنسي وسوسيتيه جنرال الفرنسي وبنوك عربية لبنانية وخليجية). (رابعا) المحور الرابع يتمثل في إعادة الهيكلة المالية والإدارية لبنوك القطاع العام وكانت بعض بعض المؤتمرات التي انعقدت مؤخرا لبحث موضوعات خاصة بالقطاع المصرفي قد طالبت بإصلاح البنوك من الداخل. (خامسا) المحور الخامس يهتم بمعالجة مشكلة التعثر المصرفي لتوفير المناخ المناسب لعمليات التنمية الاقتصادية وكانت هذه المشكلة قد وصلت إلي أقصاها حينئذ وأصبحت سلبياتها تنتشر في عدد كبير من البنوك. ولقد كان هذا البرنامج محل اهتمام عدد كبير من الخبراء في الداخل والخارج غير أن أهم تعليق صدر حوله كان من "جرينسبان" أفضل محافظ لبنك الاحتياط الأمريكي في نصف القرن الأخير حيث استطاع إخراج الولاياتالمتحدةالأمريكية من إفلاس مالي محتوم نتيجة ما حدث في بورصاتها فيما أطلق عليه الأمريكان يوم الاثنين الأسود، لقد ذكر "جرينسبان" أنه لا يمكن الحكم علي هذا البرنامج إلا في ضوء الفعاليات التي يستطيع بثها عند أول أزمة قتصادية تواجه الاقتصاد المصري فإذا استطاع التغلب عليها دون سلبيات فإنه يمكن ادراجه في خانة الايجابيات الناجحة والعكس صحيح. وأعتقد أن أغلب محاور الاصلاح التي عرضها السيد المحافظ قد تم تنفيذها خاصة في السنة الأخيرة التي رأينا فيها ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع والخدمات حيث ارتفع معدل التضخم من 2.3% في نوفمبر عام 2005 إلي 8.11% في أكتوبر عام 2006 ثم إلي 2.12% في نوفمبر 2006 وبذلك تكون معدلات التضخم قد تزايدت بحوالي ثلاثة أمثال وهي زيادة لم تحدث منذ فترات طويلة خاصة وأن هذا المعدل يتضمن أسعار السلع بما فيها سلع الطعام والشراب وكل أسعار الخدمات بما فيها السكن والصحة والتعليم والنقل.. الخ. فهل كان جرينسبان محافظ بنك الاحتياط الأمريكي السابق يعني بالأزمة الاقتصادية ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي يعيش عليها غالبية أبناء الشعب من الفقراء ومحدودي الدخل أم كان يقصد أزمات اقتصادية من نوع آخر كتلك التي واجهت دول جنوب شرق آسيا في عام 1997 بعد أن وصلت هذه الدول إلي مستوي التقدم الاقتصادي الذي يفوق مستويات التقدم في بعض الدول الغربية غير أنها تدهورت في شهور قليلة في ذلك العام ولم تفلح أية أنظمة اقتصادية في منع هذا التدهور الشامل إلا بعد أن اعادت تخطيط اقتصادياتها علي أساس قومي واقليمي "وليس عالمياً" وفرضت من جديد أنظمة لإحكام سيطرتها علي قطاع المال والنقد والاقتصاد وبشكل يبتعد عن توصيات صندوق النقد الدولي التي تراعي تنفيذ استراتيجية دولية لا تختلف كثيرا عن استراتيجية القرن الماضي!! وإذا كنت لا أتعرض في هذا المقال لأي من المحاور الرئيسية في برنامج الاصلاح المصرفي الذي أوشك علي الانتهاء كما لا أتعرض لسياسية الخصخصة التي قررتها الدولة علما بأن خصخصة البنوك العامة والمشتركة قد لا تفيد في الوقت الحاضر وأذكر بما حدث في الهند عام 2000 عندما اضرب ما يقرب من مليون موظف في قطاع البنوك احتجاجا علي خصخصة البنوك العامة وزيادة حقوق التصويت للمستثمرين الاجانب ولكنني أود أن أعرض بعض الملاحظات باعتباري أحد الذين عملوا بالقطاع المصرفي لمدة تقرب من أربعين عاما.