نسعي جاهدين الي استكمال حزمة الاصلاحات التي بدأناها منذ فترة ليست قصيرة علي الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. ونحن بصدد اكبر عملية اصلاح دستوري تتناول 34 مادة في الدستور.. وهذا الاصلاح الدستوري عملية بالغة الاهمية لمستقبل الوطن ومستقبل ابنائه لسنوات قادمة.. وقد تناولت اجهزة الاعلام بمختلف وسائلها مناقشة تلك التعديلات المقترحة علي الدستور.. واتسمت المناقشات بالحرية المطلوبة.. وقد اتفق الجميع علي بعض التعديلات مثل تقرير مبدأ المواطنة كمادة اولي في الدستور واختلف البعض حول بعض التعديلات الاخري.. وتطرق البعض الاخر الي مواد اخري لم تطرح للتعديل.. وهذا كله لا غبار عليه ويتسق مع طبائع الاشياء في مجتمع ينادي بالحرية والديمقراطية فمن الطبيعي ان تتباين الآراء وتتعدد ووسط هذا كله ترتفع حدة النقاش احيانا وتعلو الاصوات حتي يبدو الامر كما لو كانت مشاجرة وليست محاورة.. وعندما تعلو الاصوات وترتفع وتزداد حدتها ينخفض صوت القدرة علي المتابعة والفهم من جانب المشاهد والمتلقي كما يخبو صوت العقل وتصبح القضية كما لو كانت احادية الجانب اما انها خطأ بل صواب او انها صواب بل خطأ وعلي هذا النحو تبتعد الرؤية عن الوضوح وقد تصبح غير موضوعية. وكان بودي ان يطرح المتسائلون والمتحاورون سؤلا مهماً في البداية يحكم النقاش ويصونه ويعلي من فائدته والسؤال هنا شقان الشق الاول هو ماذا نريد من الاصلاح الدستوري في هذه المرحلة؟ اما الشق الثاني فيتعلق بصياغة المواد محل التعديل في اطار المستهدف من عملية الاصلاح. ولابد ان نضع هنا في الحسبان عدة ضوابط حاكمة يجب أن يلتزم بها الحوار والمتحاورون ويهتدي به الفكر والمفكرون ويعمل علي توضيحها الاعلام والاعلاميون.. تلك الضوابط هي ثلاثة اساسية: اولا:- التدرج المطلوب قد لا يتفق البعض معي في ان عملية الاصلاح هي عملية تراكمية ومستمرة ومن المخاطرة او ربما المغامرة ان تتم اي عملية اصلاح دفعة واحدة دون ان تكون التربة ممهدة والظروف مواتية وقد علمتنا تجارب ليست ببعيدة عنا ان تجاهل ذلك العنصر يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.. صحيح ان الدستور لا يتم تعديله كل يوم فهو ابو القوانين وكتاب الوطن ولا يجب ان يكون عرضة للتعديل في آجال قصيرة.. ولكن هذا لا يعني ان تتم كل الاصلاحات التي تتسع لها طموحاتنا مرة واحدة بدون تدرج محسوب ومعقول.. ومرة اخري ليست هذه دعوة لتأجيل الاصلاح او التسويف فيه ولكنها دعوة لتدبر الامر وصيانة النتائج. ثانيا:- نوعية النقاش المستهدف النقاش او الحوار بطبيعته يجب ان يتم بالشمول والهدوء والموضوعية وطرح البدائل وتقييمها واختيار الانسب منها علي ضوء المتغيرات القائمة في الزمان والمكان وما هو ممكن الآن وآمن وما هو غير ممكن الآن ولكنه ممكن في الغد حتي يصبح آمنا وهذا ما يجب ان يقرره الحوار المجتمعي والنقاش المستنير.. اننا في حاجة الي نوعية من الحوار تعلي صوت العقل وتستند الي الموضوعية وتراعي مصالح العباد والبلاد وتلك تحتاج الي توعية واستنارة يجب ان تقودها اقلام المفكرين ورؤي المبدعين وحكمة المخلصين. ثالثا:- نطاق الحوار وآلياته قد يري البعض ان الدستور واصلاحاته انما هو يخص النخبة او الصفوة او المثقفين او السياسيين وحسب وبالتالي يكون من الطبيعي ان ينصرف عنه الناس العاديون ولا يكون لهم شأن بهم.. واجدني اختلف كثيرا مع القائلين بذلك لسبب بسيط هو ان هؤلاء الناس الذين نقول بانصرافهم عن النقاش وعدم مشاركتهم فيه هم في النهاية مدعوون للاستفتاء علي التعديلات المقترحة وليس من المنطق او العدل ان ندعوهم الي الاستفتاء ولا ندعوهم الي الحوار والنقاش.. وذلك ان الحوار والنقاش انما يستدعي الفهم ويستحضره ويساعد علي تكوين الرأي السليم ومن هنا فإن الحوار يجب ان تتسع له المشاركة المجتمعية في الاحزاب والنقابة مهنية وعمالية ومنظمات المجتمع المدني في كل ارجاء مصر في حضرها وريفها وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها. ايها السادة وسط الاحداث المتسارعة والانفعالات المتأججة نحتاج الي بعض الهدوء.. والهدوء لا يعني استكانة او الاستهانة او ضياع الحقوق ولكنه مناخ لازم للوصول الي كلمة سواء تنير الطريق وتفتح الابواب نحو نهضة حقيقة ومشاركة مجتمعية واصلاحات فعلية.. نعم ايها السادة نحن في حاجة الي قدر من الهدوء حتي تأتي رؤيتنا واثقة وصائبة وحتي نتجه جميعا نحو الطريق الصحيح.