قضايا شركات توظيف الأموال شكلت ظاهرة خطيرة خلال 2006 تستحق التوقف عندها فوفقا لما أعلن عنه اللواء محمد سعد رئيس مباحث الأموال العامة منذ أسبوعين في تصريحات خاصة ل "الأسبوعي" وقبل ان ينتقل إلي منصبه الجديد كمساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن الاقتصادي ليحل محله في الأموال العامة اللواء عبد الله الوتيدي فقد بلغت العام الماضي 2006 "146 قضية" بحجم أموال 195 مليون جنيه وهي من القضايا التي لا يمكن ان ننساها في خضم المشكلات والقضايا الكثيرة الأخري بل لابد من تذكرها والتحذير منها، ورغم تطمينات الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار للرأي العام بأن هذه القضايا لن تعود كما كانت في فترة الثمانينيات إلا أن تلك التطمينات ستكون بمثابة المسكنات مادامت أسباب هذه الظاهرة موجودة والمتمثلة في غياب الأوعية الإدخارية والاستثمارية المناسبة للمواطنين وفي ظل استمرار تذبذب الأسهم في البورصة بين الارتفاع والهبوط والخسائر التي لحقت المستثمرين فيها جراء فقرات الانخفاض المتكررة والمضاربة علي الأسهم، وفي ظل أيضا انخفاض سعر الفائدة في البنوك وفي دفاتر ادخار البريد وبالإضافة إلي كل تلك الأسباب الموضوعية فإن قلة وعي المستثمرين الصغار أصحاب المدخرات وطمعهم في الفوز بفوائد أعلي وارباح أكبر أمام تضخم أعباء الحياة وارتفاع الأسعار تشجع علي عودة ظاهرة توظيف الأموال.. وقد اتاح اللواء محمد سعد ومساعدوه للعالم اليوم "الأسبوعي" فرصة الالتقاء بعدد من ضحايا تلك الشركات وبقدر ما كشفت تلك الحوارات مع المودعين جميع أبعاد القضية بقدر ما كانت هناك مفاجآت. ولنبدأ بالمفاجآت: شعبان علي حسن القباري، من الإسكندرية، أعطي شركة "بداية" وصاحبها أحمد محمود توفيق 100 ألف جنيه مقابل الحصول علي 10% فائدة شهرية. "بداية" مضللة! المفاجأة الأولي أن شعبان يعمل محاميا.. يعني علي دراية تامة بالقوانين، ويدرك ان توظيف الأموال نشاط غير مرخص ولا توجد شركة واحدة في مصر أنشئت لهذا الغرض منذ صدور القانون 146 لسنة 88 المنظم لهذه العملية، ومع ذلك فإنه يؤكد ثقته التامة في تلك الشركة "بداية" لأنه ظل يتابع أخبارها لأكثر من عام، ويقرأ إعلاناتها "في الوسيط" كما ان أصدقاءه لهم تجربة ناجحة معها وهذا كله شجعه علي حد تعبيره لزيادة المبالغ التي أودعها. ربما نسي المواطن شعبان القباري ما درسه في كلية الحقوق، ربما نسي أيضا ما جري خلال الثمانينيات لضحايا شركات توظيف الأموال أو انه كان صغير السن فلم يعاصر تلك التجربة المرة. كل تلك الأسباب واردة لكن المفاجأة الأعظم، والتي صعقتني، أنه كان يدافع طوال حواري معه عن المتهم أحمد محمود توفيق صاحب شركة "بداية".. المحبوس علي ذمة هذه القضية منذ 24 يوليو الماضي. وأخذ "شعبان" يستحضر كل براعته في المرافعة لمحاولة إقناعي ان المتهم ما هو إلا ضحية، وانه تم القبض عليه بدون ذنب، وانه لا يوظف الأموال وإنما يقوم بإنشاء مشاريع لتربية الأرانب لحساب الغير، بمعني انه يبيع للمودعين مشروعات، علي الورق، ويديرها لهم لحسابهم، مقابل حصوله علي نسبة 20% كإدارة، وأنه أيضا كان يداوم علي دفع الأرباح للناس بدون تأخر. وعندما استفسرت منه عن النسبة الكبيرة التي يدرها المشروع شهريا للمودعين، وكيف يمكن ان تكون حقيقية ونتيجة النشاط الفعلي، خاصة انه لا يوجد مشروع في العالم يمكن ان يعطي تلك الفائدة الشهرية.. إلا إذا كان يعمل في الممنوعات كتجارة المخدارات.. أو أن يكون نصاباً؟! ثار المحامي وأكد انه رأي بعينه الشركات والمشروعات.. ودليله الوحيد علي عدم نصبه أنه لما طلب استرجاع فلوسه بعد 3 أشهر، بادر صاحب شركة "بداية" علي الفور بردها إليه كاملة! وطبعا اطمأن شعبان لهذا الموقف "النبيل"، وأعاد فلوسه لصاحب الشركة بعد ان وضع في بطنه "بطيخة صيفي"، ونام واستراح!! تساءلت بيني وبين نفسي: غريب موقف شعبان.. لم أشاهد من قبل الضحية يدافع عن جلاده بهذه الاستماتة.. تسرب الشك إلي داخلي، وفورا واجهته بسؤال: هل أنت محامي المتهم صاحب شركة "بداية".. قلها صراحة؟ فرد متباكيا في تأثر بالغ قائلاً: إنه لن يسامحني علي ما قلت في حقه!، وتابع المحامي "المخدوع" حججه مشيرا إلي ان المتهم لم يقبض عليه نتيجة بلاغات من ضحايا، وإنما بادرت إدارة مباحث الأموال العامة بالقبض عليه!