إذا كانت قراءة واستعراض التقرير السنوي الثالث للمجلس القومي لحقوق الإنسان بهدف البحث عن اجابة "بنعم" أو "لا" عما إذا كانت حالة حقوق الإنسان في مصر قد تحسنت خلال العام الماضي 2006 فلن تثمر عن فوز بواحدة من الاجابتين عبر قراءة ل318 صفحة تضمنها التقرير. كما لن تشعر بنفس الحماس والتشوق للكشف عن مفاجآت كما كان الحال في التقريرين السابقين.. بل قد تشعر بالملل من بعض الفصول التي تستعرض أنشطة المجلس الداخلية والخارجية والندوات وورش العمل.. كم هائل من الأسماء والأرقام والأحداث والاستقبالات والزيارات يسرب الانطباع بأننا إزاء محاضر جلسات المجالس الحكومية ومضابط مجلسي الشعب والشوري والوزارات الرسمية. غير ان التقرير حفل أيضا بالجديد الذي كان بمثابة المفاجأة السارة لمن يقرأه حيث قدم المجلس تقييما لدوره خلال 3 سنوات هي عمره تضمنت رؤية نقدية ذاتية لمجمل أدائه كما جاءت انتقاداته لرد الحكومة علي تقرير المجلس السابق رشيقة تعكس التفاوت الواضح بين مفهوم كل من الحكومة والمجلس لدور النقد في تقدم الأداء وتحسن حالة حقوق الإنسان ومؤسساته. كما لم يخل التقرير من نظرة للمستقبل حيث قدم ملخصا لمشروع الخطة الوطنية لحقوق الإنسان والتي تهدف الي تعزيز تلك الحقوق خلال السنوات الخمس القادمة (2007- 2012) وقد استجابت للمشاركة في اعداد تلك الخطة مع المجلس وقدمت تصوراتها 6 وزارات فقط وحزبان سياسيان معارضان فقط وعدد من الأجهزة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وحول حديث الساعة "التعديلات الدستورية" تضمن الفصل الرابع من التقرير اقتراحات اللجنة التي كونها المجلس لهذا الغرض من 12 عضوا من فقهاء وخبراء في القانون والدستور وتم رفع تلك المقترحات لرئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والشوري. ومن مظاهر شفافية هذا الفصل أن تم التنويه الي عدد من المقترحات التي تعذر الاتفاق بشأنها، والآراء المتعددة بشأن النصوص التي لم تحظ بالاجماع وهي نفس المواقف التي دار حولها جدل علي صفحات الجرائد خلال الفترة الماضية موحية بوجود معارك ضارية بين أعضاء هذه اللجنة التي صاغت تلك المقترحات. حالة حقوق الإنسان وفيما تفاوتت القيمة والأهمية بين فصول التقرير تبرز مواطن القوة بصفة خاصة في الفصل الأول من خلال رصد علمي ومنهجي لحالة حقوق الإنسان من واقع الشكاوي الواردة للمجلس خلال عام وجاء التصنيف والتوزيع والتحليل الدقيق ليذكرنا بتقارير دولية مماثلة مثل التنمية البشرية وأمنستي. وإذا جاز لنا أن نقيس مدي التحسن في وضع حقوق الإنسان علي هذا المستوي فيمكن أن نرصده من خلال عدد من المؤشرات وعقد المقارنات. أولا: زيادة عدد الشكاوي الواردة للمجلس بنسبة 25% حيث بلغت خلال تسعة اشهر 5826 شكوي في حين بلغت خلال 14 شهرا سابقة من زمن التقرير الثاني 6528 وهذه الزيادة تعكس تحسن وعي المواطنين لضرورة الدفاع عن حقوقهم والسعي للانتصاف كما انها مؤشر علي زيادة الوعي بدور المجلس في التعامل مع شكاواهم ولكنه قبل هذا وذاك يوضح مدي الفجوة الموجودة بين المواطنين وبعض الاجهزة الادارية. ثانيا: جاءت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المرتبة الأولي من حيث عدد الشكاوي التي وصلت المجلس بنسبة 5.38% باجمالي 2247 شكوي وغطت تلك الحقوق من واقع الشكاوي عددا من القضايا مثل مكافحة البطالة، والحق في العمل والضمان الاجتماعي والحقوق التأمينية للعمال المحالين للمعاش والحق في الصحة والسكن والحق في التعليم والتنمية اضافة الي حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة والحق في الشفافية. الشفافية ويربط التقرير في جزء منفصل خصصه للحق في الشفافية بين مكافحة الفساد والحكم الرشيد وحقوق الانسان واشار الي وجود مراجعات في الادارة الحكومية بمصر غير انه اكد علي حاجة تلك الجهود المتفاوتة بين الادارات الي المزيد وذكر ان نموذج الحكم التقليدي بسلطة منفردة لا تتسم بالشفافية وتظل فوق المساءلة كما انه لم يعد مناسبا للإدارة العصرية والتي تركز علي إدارة المجتمع لخدمة اهداف التنمية.