سعد هجرس سمعت كثيراً عن حديقة الأزهر، وتلقيت دعوات أكثر للغذاء أو العشاء بها، لكن الظروف لم تسمح لي بدخولها إلا في عطلة نهاية هذا الأسبوع. وقد بهرني المكان الذي يسبح في عبق التاريخ، وأذهلتني قدرتنا نحن المصريين علي تحويل الخرائب إلي أماكن ساحرة (إذا أردنا). وقد وضعت الكلمتين الأخيرتين بين قوسين لأن الأمر المحير هو أننا ما دمنا نمتلك هذه القدرة الرائعة علي محاربة القبح والدمامة فلماذا تبقي القاعدة لدينا هي الفوضي والعشوائية والتعايش مع جبال القمامة في كل مكان وليس في الأحياء الفقيرة فقط. فحتي الأحياء "الراقية" أصبحت - وفقاً للتعبير الجميل للاعلامية الكبيرة ليلي رستم - "عشوائيات دي لوكس"! وهذه مسألة لا تحتمل التبرير بأي شكل من الأشكال .. فمن غير المعقول أن تكون القمامة مشكلة تحتاج إلي مناقشة وإلي البحث عن حلول ونحن في مطلع الألفية الثالثة وبداية القرن الحادي والعشرين. ناهيك عن أنه من العار أن نكون مضطرين في مصر "أم الدنيا" ومهد الحضارات للحديث عن مشكلة القمامة ومشكلة إشارات المرور ومواعيد القطارات وسلامة وسائل المواصلات وأمن الطرق وما شابه من امور حلتها البشرية منذ سنوات وعقود بما في ذلك بلدان عمرها أو علاقتها بالعمران أقصر من عمر بيت جدي. ومن المخجل أكثر وأكثر أن تلجأ حكومتنا إلي الشركات الأجنبية حتي لحل مشكلة الزبالة. وعندما جاءت هذه الشركات الأجنبية لم تفعل شيئاً أكثر من نقل القمامة من أمام البيوت إلي "المقالب" كما كان يفعل الزبال التقليدي.. بل ربما بكفاءة أقل وبدون "ذمة" في معظم الأحيان. وقبل أن أفيق من التداعيات اتي أثارها جمال حديقة الأزهر -التي كانت حتي عهد قريب مكان قفراً موحشاً- وقع بصري علي إيصال رسوم دخول السيارة إلي الحديقة، وقيمته خمسة جنيهات. فهالني أن أجد مكتوباً في الايصال ما يلي بالنص "رجاء حفظ هذا الشيك بالسيارة وتقديمه عند الخروج -في حالة فقد هذا الشيك سيتم التحصيل وفقاً لما تراه الإدارة" مع استطراد يقول أن الإدارة غير مسئولة عن الفقد والحريق والسرقة وكذلك عن الأشياء المتروكة داخل السيارة كما أن الإدارة غير مسئولة عن أي تلفيات بالسيارة! ما معني هذا؟ ما هذه البلطجة؟ هل هو عقد إذعان؟ وما هذا الذي يمكن أن "تراه" الإدارة؟ هل يمكن أن تكون غرامة عشرة جنيهات أو عشرين أو مائة أو تعليق الزبون في الفلكة؟ وهل هذه صيغة يمكن مخاطبة البشر بها؟ وأين جهاز حماية المستهلك من هذه السخافات التي تعطي حقوقاً استبدادية ل"الإدارة" وتحرم المستهلك من أي حقوق وضمانات كما لو كان واحداً من أقنان العصور الوسطي؟! ثم.. انظروا إلي المفارقة الأعجب. تحت هذه "التعليمات المهمة" توجد ترجمة بالأنجليزية لما هو مكتوب آنفا بالعربية، فنجد أن الترجمة الانجليزية تقول النص "أنه في حالة فقد هذا الايصال سيتم تغريمك جنيهان"! فلماذا يكون المواطن المصري عرضة لأهواء الإدارة "وفقا لما تراه"، بينما الأجنبي "محترم" وتجنبت الإدارة مخاطبته بهذه اللغة الفظة الخشنة وحددت غرامته بجنيهين. لذلك.. فانه بقدر فرحتي بهذا المكان الجميل النظيف بقدر ما أفسدت هذه الورقة الفجة سعادتي بلوحة جميلة. ما رأي المحافظ المتحضر الدكتور عبد العظيم وزير؟! [email protected]