التركيز الإعلامي علي قضايا ساخنة تثير شهية القراء وتزيد من توزيع الصحف أو نسبة مشاهدة القنوات التليفزيونية، يكون أحيانا "سلاحا ذا حدين". فواجب أجهزة الإعلام من إذاعة وتليفزيون وصحف أن تنقل الحقائق كاملة.. بل وتسعي تلك الاجهزة -المرئية والمقروءة- إلي الانفراد بإذاعة حدث جديد أو تحقيق سبق صحفي، وتلك منافسة مشروعة تصب في النهاية لمصلحة المشاهد والقارئ، ولكن أحيانا يكون التسابق علي نشر كل ما هو جديد عن أي حدث لا يخلو من المبالغة أو الفبركة أو لوي الحقائق، علي حساب الشفافية وصدق المعلومات وتحري الدقة، وهذا مكمن الخطورة، بل ان تكرار الحديث أو النشر عن حدث بعينه حتي ولو كان في دائرة الصدق وتوضيح الحقيقة قد يمثل في بعض الاحيان ضررا أكثر من النفع ولاسيما إذا كانت القضية المثارة تهم الرأي العام، وفي نفس الوقت قد تعكس صورة سلبية عن مصر في الخارج. فعلي سبيل المثال تكرار النشر حول جرائم أولاد الشوارع والأفعال الشنعاء للتوربيني ورفاقه ثم الحديث عن "سفاح المعادي" والنشر المتكرر عنه بحجة المتابعة الصحفية أو التليفزيونية عن جرائم ارتكبها ذلك السفاح وملاحقة أجهزة الأمن له أو تحويل شوارع المعادي والمناطق المجاورة الي ثكنة عسكرية للقبض عليه.. قد يعكس كل ذلك ان الشارع المصري غير آمن ما دام فيه أمثال التوربيني والسفاح وهذا بالقطع قد يؤثر علي حركة السياحة بل وعلي عملية الاستثمار، لان تلك الاخبار المقززة والمرعبة تبث الرعب في نفوس السائحين والمستثمرين وبالتالي يعزفون عن الحضور الي مصر وهذا بالطبع ليس في صالح جهود زيادة الاعداد الوافدة من السائحين أو في الخطوات الجادة التي تتخذها الحكومة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية. والغريب انه حتي الآن لم تثبت كل الجرائم الرهيبة والمفزعة التي ارتكبها التوربنيي المتخلف عقليا، ولم تؤكد التحقيقات التي تجريها النيابة حاليا "عُشر" الجرائم التي ادعت الأقوال المرسلة في الصحف والفضائيات انه ارتكبها بل ان الحديث عن التوربيني توقف بعد ظهور "سفاح المعادي". والغريب ان اطلاق لفظ سفاح علي شخص ارتكب جرائم بسيطة وعبيطة تدل علي انه معتوه فقط ان لم يكن شخصا وهميا وليس سفاحا يقتل ويقطع ويشوه ويرتكب فظائع ضد ضحاياه وهذا لم يثبت حتي الآن بالطبع ولن يحدث. ايضا الحديث والتباهي في بعض الصحف "القومية" بالقبض علي "المعارضين" وملاحقتهم وفض المظاهرات بالقوة، وفي نفس الوقت نشر اخبار مبالغ فيها عن الفساد في منظومة الحكم في صحف معارضة ومستقلة قد يؤثر بشكل سلبي ايضا علي صورة مصر في الخارج ويؤثر بالتالي علي تدفق الاستثمارات والسائحين وهذا ما نخشاه لان الاقتصاد المصري لا يستطيع تحمل ذلك او يدفع ثمن "خطايا" الصحف والفضائيات و"النفخ" الإعلامي حتي ولو كان الهدف نشر الحقيقة.. فيجب ان يكون هناك ترشيد وتوازن في النشر للحفاظ علي سمعتنا وإستثماراتنا.