شهد افتتاح المنتدي الاقتصادي العالمي في دافوس دعوات واضحة الي مرحلة جديدة، اذ بدا ان قياداته والمؤمنين به بدأوا يميلون الي الواقعية اكثر من البحث في الخصوصيات التي لا تهم سوي شريحة من كبار رجال المال والاعمال، كما بدا انهم استشعروا ان العالم بالفعل قد تغير وان القوي الاقتصادية الناشئة اصبحت منافسة لهذه الشريحة بشكل كبير. يتزامن هذا كله مع التغيير الديمجرافي الذي يميل لصالح الجنوب ويقف الشمال عاجزا عن حل هذه المشكلة، اذ لا يستطيع ارغام مواطنيه علي الانجاب بعد ان اقنعهم لاكثر من نصف قرن ان الحرية الفردية مقدس لا يجوز المساس به، فأوروبا التي تشكل اليوم 11% من سكان الكرة الارضية ستتقلص خلال 50 عاما المقبلة الي 7% من تعداد سكان المعمورة. ومن الواضح من خلال اول ايام المنتدي ان هناك خوفا علي مستقبل اوروبا والدول الصناعية الكبري بشكل عام من ان تتحول دفة الاقتصاد من يد الولاياتالمتحدة واوروبا الي صالح القوي الناشئة الجديدة مثل الهند والصين والبرازيل والبلدان التي تواكبها في هذه النهضة الصناعية الكبيرة، وربما يكون منتدي هذا العام هو بداية تحول حقيقي للخروج من الانفصام الذي يراه مؤسس المنتدي كلاوس شفاب الي صورة اقرب الي الواقع. فقد بدأ الافتتاح بكلمات واضحة وصريحة لرئيسة سويسرا ووزيرة خارجيتها ميشلين كالمي راي، طالبت فيه رجال الاقتصاد بتحويل هذا الملتقي السنوي الي اداة عملية للتغيير بدلا من طرح الافكار والمشكلات والبحث عن الحلول وانتظار النتائج. وقالت كالمي راي ان العالم يقف امام اهداف واحدة تتمثل في القضاء علي الفقر والارتقاء بمستوي المعيشة وتحقيق الامن والسلام للجميع، لكن الوصول الي تلك الاهداف يتطلب توزيع المسئوليات والمهام بشكل عادل علي الجميع ليتم تقسيم المسئوليات كل حسب المجال الذي يمكن ان ينجح فيه. وضعت رئيسة سويسرا المسئولية كاملة علي اخلاقيات الاقتصاد التي يجب ان تكون علي مستوي المسئولية - حسب قولها - وألا تكون نظريات بدون تطبيق، كما طالبت بضرورة تفعيل دور المجتمع المدني وان يتحول العالم الي العمل بما وصفته بالفلسفة العملية التطبيقية. اما مستشارة المانيا انجيلا ميركل التي تترأس بلادها حاليا الاتحاد الاوروبي فقالت في كلمتها ان تحديات العولمة تتطلب الان التعاون الكامل بين الجميع والاستعداد للتغيير وقبول نتائج تحديات العولمة التي لا مفر منها. وألمحت الي ان المانيا ترغب في وضع قواعد جديدة للحوار مع الدول الناشئة مثل الهند والصين والبرازيل ولكنها رفضت ان تكون ضمن منظومة الدول الثماني الاكثر تصنيعا في العالم. وتتفق رؤية الرئيسة السويسرية والمستشارة الالمانية مع نتيجة اولي حلقات النقاش التي شهدها المنتدي في اول ايامه، والتي فتحت الباب علي مصراعيه للحديث حول المعادلة الجديدة للتغيرات التي يشهدها العالم الان، سيما وان كلاوس شواب اعلن في المؤتمر الصحفي التمهيدي له: "ان العالم اليوم يعيش حالة انفصام في الشخصية "شيزوفرينيا" ولابد من التخلص منها". ولم يختلف المشاركون في اولي ندوات المنتدي علي ان العالم اليوم يعيش في ظل قطبية متعددة وليست قوة واحدة عظمي، بل هناك قوة المؤسسات الصناعية والمالية، وهناك قوة منظمات المجتمع المدني التي تؤثر بشكل واضح علي توجهات الرأي العام، ثم هناك ثورة المعلومات عبر شبكة الانترنت التي اصبحت في اغلب دول العالم خارج السيطرة ولها نفوذ كبير بدأت بعض الدول تستشعره وتستخدمه لصالحها واخري تري فيه خطرا فتغلق منابعه. يشار الي انه بينما ينكر المنتدي ان يكون ناديا للاثرياء والنافذين في العالم او يعبر عن انتماء سياسي يعتبره اليسار ومناهضو العولمة قمة الرأسمالية العالمية.