تؤكد الكثير من المؤشرات من بينها شكليات إعدام صدام حسين واستقرار العراق داخل مستنقع الحرب الأهلية، أن الوضع العراقي الحالي يضع البلاد علي سكة التقسيم إلي ثلاثة كيانات كردية وسنية وشيعية، بعد أن سبق لتقرير نشرته مجموعة الأزمات الدولية أوضح أن تقرير بيكر هاملتون يصف الحكومة العراقية بأنها حكومة وحدة وطنية تمثل قطاعات واسعة من الشعب العراقي، وهي ليست كذلك والحال أن العراق علي وشك التفكك. لم تنجح الولاياتالمتحدةالأمريكية في تحقيق الاستقرار والأمن في العراق بالشكل الذي خططت له، إلا أنها نجحت في تكريس تقسيم العراق طائفيا وعرقيا ودينيا بعد أن أكد هنري كيسنجر أنه من المستحيل علي واشنطن تحقيق نصر عسكري في العراق ليبقي أمامها تقسيم العراق إلي ثلاثة كيانات: إقليم كردستان في الشمال ومنطقة شيعية كبري تضم تسعة أقاليم في الجنوب ومنطقة سنية تتكون من ثلاثة أقاليم توجد في قلب مثلث الموت: الأنبار، نينوا وصلاح الدين. ومن شأن تقسيم العراق إلي ثلاثة كيانات أن يثير غضب دول الجوارخاصة العربية السعودية التي لا تنظر بعين الرضا إلي إقامة دولة شيعية علي حدودها. فيما لا يمكن لإيران أن توافق علي إقامة دولة سنية يترأسها نفس الرجال الذين ساعدوا صدام حسين في حربه ضد الجمهورية الإسلامية. من جهته، يبدو الجيش العراقي موزعا إلي وحدات غير متجانسة تضم السنة والشيعة والأكراد ترفض بشكل دوري تنفيذ أوامر مسئوليها إذا كانت هذه الأوامر تتعارض مع رغبات زعمائها الدينيين أو العرقيين. تعيش تسعة أقاليم عراقية في وضعية آمنة من بينها ثلاثة أقاليم في إقليم كردستان، غير أنها دستوريا ووظيفيا تبقي مستقلة عن باقي العراق، فيما توجد الأقاليم السنية الأخري في الجنوب الشيعي تطبق فيها الميليشيات الشيعية القانون الإسلامي علي الطريقة الإيرانية دونما احترام للحريات التي يضمنها الدستور العراقي. في سياق وضعية الحرب الأهلية والتوترات الناجمة عن إعدام صدام حسين، من الصعب تصور تنفيذ استراتيجية تستهدف تشكيل حكومة للوحدة الوطنية تتوفر علي مؤسسات تحقق الأمن والاستقرار. يتحدث تقرير لجنة بيكر هاملتون عن انسحاب مبرمج لجزء كبير من القوات الأمريكية قبل 2008 وتوجيه الجزء الباقي لدعم وإسناد الجيش والشرطة العراقيين، غير ان هذه المقاربة تنطلق من فكرة مؤداها أن الجيش والشرطة العراقيين يمكنهما أن يصبحا ضامنين محايدين للأمن ا لعام. والحال أنهما قبل كل شيء إما منحازان للشيعة أو للسنة مما يجعلهما قد اختارا مواقعهما في الحرب الأهلية العراقية. إن الاعتراف بدخول العراق مستنقع الحرب الأهلية يسلط الضوء بكل وضوح علي الخيارات الممكنة أمام واشنطن، لأنه سيكون علي جورج بوش إما محاولة توحيد دولة لا تشتغل ومرفوضة من جزء كبير من السكان أو القبول بالحقيقة التي تقول إنه لا توجد دولة تنخرط في اتفاقات منفصلة مع المناطق السنية والكردية والشيعية في العراق. إذا اختارت واشنطن الحل الأول، سيكون علي الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تقوم بدور قوة الفصل بين السنة والشيعة، وهي مهمة تتطلب الكثير من القوات وعدة سنوات وتخلف عددا غير محدود من الخسائر البشرية. يفتح الحل الثاني طريق الخروج للولايات المتحدةالأمريكية، لأن عراقا مقسما إلي إقليم كردستان في الشمال وإلي منطقة شيعية كبري تضم تسعة أقاليم في الجنوب وإلي منطقة سنية تتكون من ثلاثة أقاليم توجد في قلب مثلث الموت: الانبار، نينوا وصلاح الدين من السهل التحكم فيه أمنيا. ينص الدستور العراقي علي إجراء استفتاء في نهاية 2007 من أجل إقامة حدود نهائية بين المنطقة السنية والمنطقة الكردية وتحديد مصير كركوك الغنية بالنفط من بين كل سكان العراق، يعارض العرب السنة خيار التقسيم، إلا أن وجود إقليم كردستان وتصويت البرلمان العراقي علي قانون يقر بتشكيل منطقة شيعية يجعل السنة بين خيارين إما إقامة منطقة خاصة بهم أو أن يصبحوا فراغا سياسيا في وضعية حصار بين إقليم كردستان والجنوب الشيعي. ما يخشاه السنة هو حرمانهم من الموارد النفطية الموجودة في شمال وجنوب العراق. والحال انه من أجل تسهيل مسلسل التقسيم، وافق الشيعة والأكراد علي منح السنة نسبة معينة من المداخيل النفطية العراقية. تخشي دول الجوار أن يصبح تقسيم العراق سابقة خطيرة من شأنها أن تمس وحدة ترابها، لذلك تعتقد أن جنوبا عراقيا تحت سيطرة الشيعة وتحت تأثير إيران أفضل من سيطرة إيرانية علي مجموع التراب العراقي. فيما تبدي تركيا، التي تضم 14 مليونا كرديا قلقها من أن يساهم إقليم كردستان مستقل في تغذية المشاعر الانفصالية لأكراد تركيا. غير أن كردستان مستقلا يشكل منطقة عازلة تفصل بين تركيا وعراق تسيطر عليه إيران.