رغم اللطمات المهينة التي تعرضت لها في العراق، أو بالأحري بسبب هذا الفشل الذريع الذي لحق بها والإذلال الذي أصابها علي يد المقاومة الوطنية العراقية، أصرت إدارة الرئيس جورج بوش أن تكون "نهاية" عام 2006 فاجعة. وفي محاولة يائسة لتعويض الفشل الميداني في بلاد الرافدين والفشل السياسي داخل الولاياتالمتحدة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس تصرفت هذه الإدارة التعيسة بصورة أقرب إلي البلطجي منها إلي الدولة العظمي. وفي سياق هذا التخبط تفتق ذهنها المشوش عن حل شيطاني هو إعدام الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في نفس يوم احتفال العرب والمسلمين بعيد الأضحي المبارك، وقبل أن يلفظ عام 2006 أنفاسه الأخيرة بساعات معدودة. ورغم أن هذه الإدارة ذاتها جربت هذا السلاح الخائب عشية انطلاق انتخابات التجديد النصفي حيث أصدرت تعليماتها إلي الحكومة العراقية التي وضعتها في دست حكم المنطقة الخضراء ببغداد تحت حراب قوات الاحتلال الأمريكية، بأن تصدر حكم الاعدام علي الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في هذا التوقيت بالذات رغم أنه كان عطلة رسمية في العراق (!!!) علي أمل أن يحسن وضعها الانتخابي وان يحبط المقاومة العراقية. رغم فشل هذه المحاولة الخائبة حيث خسر الجمهوريون أغلبيتهم في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ لأول مرة منذ سنوات وعقود، ورغم أن المقاومة الوطنية العراقية تصاعدت في أعقاب حكم إعدام صدام حسين بصورة غير مسبوقة حيث اعترف جيش الاحتلال الأمريكي بأن شهر ديسمبر كان أصعب الشهور عليه وأن قواته منيت بخسائر فادحة خلاله .. رغم ذلك لم تتعلم الإدارة الأمريكية الغبية الدرس، وتصورت أن تنفيذ حكم الاعدام في هذا التوقيت الشاذ وبهذه الطريقة الهمجية يمكن أن يحقق لها اليوم ما فشلت في تحقيقه بالأمس. لكن تقديرات وحسابات الإدارة الأمريكية انهارت بسرعة مذهلة. وبدلاً من أن تساعدها هذه الخطوة الوحشية علي تحقيق أي مكسب، فإنها أغرقتها في المزيد من الوحل بالعراق كما أحرجتها في كل مكان في العالم، لدرجة أنها حاولت التنصل من مسئوليتها عن تنفيذ حكم الاعدام في الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في هذا التوقيت وبهذا الشكل، وحاولت تحميل المسئولية لحكومة المالكي العراقي، لكنها كانت محاولة خائبة وفاشلة لأن هذه الحكومة لا تستطيع أن تحرك ساكناً دون أن تحصل علي تصريح من جيش الاحتلال الأمريكي، فضلاً عن أنها لم تختطف الرئيس العراقي الأسير صدام حسين من قوات الاحتلال وإنما تسلمته منها. وكان مجرد تسليمه لها بمثابة أمر باغتيال الرجل الذي لم يحظ بمحاكمة عادلة بشهادة كل المنظمات الدولية المعنية، بل كانت محاكمته مهزلة حقيقية ألحقت العار بواشنطن وأصبحت وصمة جديدة في جبين هذه الإدارة الأمريكية التي انتهكت حقوق الإنسان الأمريكي قبل ان تغتال حقوق الانسان العراقي والعربي والمسلم، والتي ضبطها العالم المتحضر متلبسة بالكذب وتضليل الشعب الأمريكي ومؤسساته الدستورية. لقد حاولت إدارة بوش الفاشلة تعويض فشلها الميداني في العراق أمام المقاومة الوطنية العراقية بتقديم رأس صدام حسين إلي الكونجرس وتصوير هذا الاغتيال البربري لرئيس العراق الأسير علي أنه انتصار عسكري وسياسي، علي أمل أن يساعدها ذلك في الحصول علي موافقة الكونجرس علي زيادة عدد قوات جيش الاحتلال الأمريكي في العراق، وموافقة الكونجرس علي زيادة الاعتمادات المالية المخصصة لهذه الحرب التي تم شنها ضد مشيئة الشرعية الدولية، وبالتالي موافقة الكونجرس علي "الاستراتيجية الجديدة" التي وعد بوش بتقديمها من أجل تحقيق "النصر" في العراق. وعلي الصعيد العربي تصورت إدارة بوش أن شنق صدام حسين، في هذا التوقيت وبهذا الشكل ، سيعزز موقف حلفائها وينهي تردد الباقين، الأمر الذي يمكن أن يحسن وضع الخطة الإمبراطورية الأمريكية - الإسرائيلية المعروفة باسم "الشرق الأوسط الجديد" بعد العثرات التي تعرضت لها في العراق ولبنان وحتي فلسطين. وعلي الصعيد العراقي تصورت إدارة بوش أن تأرجح جسد صدام حسين في حبل المشنقة والتمثيل به حياً وميتاً يمكن أن يحبط المقاومة العراقية من جانب وأن يزيد اشتعال الفتنة الطائفية والحرب الأهلية بين الشيعة والسنة وكل هذا يصب في مصلحة الاحتلال الأمريكي. لكن علي عكس كل هذه الحسابات، وعلي طول الخط، جاءت النتائج مخيبة لآمال أكثر الإدارات الأمريكية غباء وصلفاً وعنصرية. صحيح أن صور شنق صدام حسين أصابت العالم كله بصدمة، لكنها كانت صدمة ممزوجة بالغضب والاشمئزاز من إدارة بوش التي ضربت بالحذاء كل الأعراف والتقاليد والقوانين الدولية، التي كانت تحتم عليها ان تعامل صدام حسين معاملة أسير الحرب بكل ما تقرره القوانين الدولية من ضمانات وحصانات.