حين يبدأ المئات ولا أقول الآلاف في زيارة معرض أيقونات دير سانت كاترين، ستبقي في أذهانهم كلمة الأب دامينوس رئيس رهبان الدير "تذكروا دائما أن الأديرة في مصر يسبق وجودها وجود الدين الإسلامي نفسه، فهي موجودة من القرن الثالث الميلادي، أي بما يسبق ميلاد الإسلام بثلاثة قرون، ولم يشعر الرهبان أو المسيحيون بأي تباعد أو تحامل من المسلمين علي الأديرة". تذكرت في تلك اللحظة بابا روما المنحوسة بها كاثوليكية أيامنا هذه، هذا الذي استشهد بحوار بين فارسي مسلم وامبراطور بيزنطي كي يدلل علي أن الإسلام دين يبيد غيره من الديانات بحد السيف. دامينوس الراهب الجليل الذي يتحدث إلي العالم من قلب كاليفورنيا يحتاج منا نحن الإعلاميين المصريين سواء في الصحف أو المجلات أو المحطات الفضائية أن نهتم بما يقوله الرجل، فهو مسيحي يعيش علي أرض مصر ويرأس ديرا يأتيه الناس من بقاع الأرض، ولكن لا أحد يلتفت إلي الحقيقة الواضحة تماما لأنها بديهية، وهي أن دير سانت كاترين لم يتعرض علي مر تاريخه لأي اضطهاد كان، بل ويشارك العرب البدو في مشكلاتهم، وهم يحفظونه في عيونهم، ويدخلون للصلاة في المسجد الموجود بالدير. لقد شاءت الظروف أن يأتي معرض أيقونات دير سانت كاترين في الوقت الذي يتم فيه اتهام الإسلام والمسلمين بأنهم إرهابيون، ويأتي المعرض وسط عاصمة ولاية السينما كاليفورنيا، ويقام في واحد من أكبر وأهم متاحف الولاياتالمتحدة وهو متحف بول جيتي المهتم بالآثار. وعلي مائدة عشاء الافتتاح جاءت كلمات الشكر لوزارة الثقافة المصرية وللمجلس الأعلي للآثار، حيث توجد هنا شعبية بين رجال المتاحف وبين زاهي حواس، وهي شعبية أقول له أنا عنها دائما "أنت شيخ شعراوي الآثار المصرية، فأحاديثك في قناة ديسكفري وقناة ناشيونال جغرافيك تعطيك إعجابا متزايدا بين جمهور المثقفين المتابعين لهاتين القناتين" وعادة ما يضحك زاهي حواس، ولا يعلق علي كلماتي. وكنت أتمني أن يوجد بيننا كي يري بعيونه قدر الترحيب بنا لمجرد أننا من معارفه. شاء القدر أن يكون هذا المعرض المتفق عليه من عام أو أكثر هو أبلغ رد علي خرافات بابا روما، وأن ينحني العديد من المسيحيين أمام الراهب الكبير دامينوس وهو يحكي عن مصر والإسلام والمسيحية. يبقي لمن لا يعرف أن الأيقونات هي لوحات رسمها الرهبان أو المحبون ولها قداسة عند المسيحيين، قداسة مأخوذة من الحضارة المصرية الفرعونية، حيث كان الفرعون يعتقد أن روحه ستأتي إلي التمثال أو القناع الموجود في مقبرته كي تعود لها الحياة في العالم الآخر. وحين جاء الرومان إلي مصر أخذوا من تلك الحكاية حكاية أخري، فقد رسموا وجوه أي متوفي يرغبون ويتمنون له الرحمة ولروحه القداسة. توقفت عند لوحتين للقديسة سانت كاترين نفسها، الأولي ذات ملامح خشنة وجافة، وهي مرسومة بواسطة راهب في الدير في القرون المسيحية الأولي، وأيقونة أخري مرسومة بواسطة رسام إسباني في القرون الوسطي تفيض أنوثة وشفافية وحيوية وإشراقاً، وللأسف لم يتم تصوير أو طباعة الصورة الريانة الخصبة لتلك القديسة التي لها تفرد في الأتباع، فهم لا يتبعون أي بابا، سواء بابا روما أو الكنيسة المصرية أو الكنيسة الروسية، انهم مستقلون تماما ويلقون كل احترام بين كل الطوائف المسيحية، وهم يستحقون هذا الاحترام.. شكرا زاهي حواس علي هذا المعرض، واتمني ان تتحدث عنه وان تجري حوارا مع رهبانه في قناة ناشيونال جغرافيك، لأنك سترد عمليا علي غباء بابا روما بسماحة وصدق الراهب دامينوس.