كلنا ندرك أن هذا الوطن يستطيع أن يحقق المزيد والمزيد في سباق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلنا ندرك أن هذا الوطن قد قطع شوطا لا بأس به في هذا السباق انعكس في تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي من حيث معدلات النمو والصادرات واستقرار سعر الصرف وزيادة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة رصيد الاحتياطي النقدي بالعملات الأجنبية وغير ذلك من المؤشرات الإيجابية علي مستوي الاقتصاد الكلي.. ولا يعني ذلك اننا وصلنا إلي كل ما نبغي ونريد في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو حتي قريبا مما نريد ولكنه يعني اننا نسير في الاتجاه الصحيح.. ومازالت لدينا تحديات كبري في عدة مجالات أشار إليها موضوع الرئيس مبارك في خطابه في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة أمام مجلسي الشعب والشوري. ونطرح هنا في إطار قراءة تلك التحديات علي النحو الآتي: أولاً: ضرورة أن نستشرف ما سيكون عليه واقع مجتمعنا وحياتنا خلال العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة.. وهذا تحد أن يكون لدينا رؤية واضحة نستطيع أن نقرر في ضوئها ما نريد من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تمتد لأكثر من اللحظة الراهنة لصالح أبنائنا وأحفادنا والأجيال القادمة وتحفظ لمجتمعنا في ذات الوقت استقراره السياسي والاجتماعي ووحدة أبنائه. وهذه الرؤية من حيث وضعها وتمحيصها والتحرك وفقاً لها أولي التحديات التي تواجه مسيرة التنمية لكي تضع قطار التنمية علي الطريق الصحيح وتحدد سرعته الآمنة وتضمن استمرار مسيرته في الاتجاه الصحيح. ثانياً: تعزيز المشاركة الشعبية وعدم تقييد خيارات الناس.. ذلك أن استلهام إرادة أبناء الوطن وتطلعاتهم المشروعة يظل هو التحدي وهو صمام الأمان في ذات الوقت. ويستدعي هذا تعميق وتوسيع آفاق الممارسة الديمقراطية كما يستدعي تعظيم دور المحليات في التنمية وتوسيع وتعميق مشاركة منظمات المجتمع المدني في هذا الصدد. وكلها تحديات تتطلب أن نوجد لها الآليات الفعالة وان نحيطها بسياج من التشريعات التي تكفل عدم محاصرة تلك الخيارات أو تقييدها. ثالثاً: التعامل مع هموم الوطن والمواطن بجدية وفاعلية.. وقد عبر عن ذلك الرئيس مبارك قائلاً: "أعلم شواغل مواطنينا وهمومهم ومعاناتهم ما بين ارتفاع تكاليف المعيشة ومشكلات البطالة والرعاية الصحية والتعليم والمواصلات والمياه والصرف الصحي". والمهم في هذا الصدد ليس مجرد معرفة الهموم والشواغل ولكن القدرة علي التعامل معها وهذا ما قال الرئيس بشأنه انني أعلم كذلك اننا قادرون علي مواجهة تلك التحديات وان مشكلاتنا لا تستعصي علي الحل وان طموحاتنا وآمالنا قابلة للتحقيق. وتلك نقطة بالغة الأهمية تجعلنا لا نقبل من أي مسئول ان يقول لنا: وماذا أفعل هذه حدود قدرتنا وإمكانياتنا ولابد أن نشير هنا إلي ان شعبنا لا يقف متفرجا فدائما هو يشارك.. ففي المحليات أمكن تنفيذ حوالي 12 ألف مشروع بالجهود الذاتية والمشاركة الشعبية بلغت قيمتها حوالي 725 مليون جنيه.. ونريد ان تزيد تلك المشاركة وتتوسع في المرحلة المقبلة. ولن يتسني ذلك دون معايشة وتواصل بين الحكومة والناس.. واقتناع الناس بأن الحكومة جادة في التعامل مع همومهم وشواغلهم. رابعاً: رفع أداء الوظيفة العامة ووضع آليات للمحاسبة والمساءلة وآليات لمكافحة الفساد الإداري ومحاصرته. وتلك عملية جوهرية في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأن كل الإصلاحات مهما علا شأنها وعظم قدرها يمكن ان تذهب آثارها أدراج الرياح بفعل الإهمال وعدم كفاءة الموظف العام وبفعل الفساد الإداري والتصدي للفساد الإداري مسئولية مشتركة بين الحكومة والمتعاملين مع الجهاز الإداري للدولة ومنظمات المجتمع المدني. خامساً: مواصلة مسيرة الإصلاح في مختلف المجالات وعلي الأخص ما يلي: * الإصلاح الضريبي والجمركي. * إصلاح مصرفي جديد. * تعزيز المناخ الجاذب للاستثمار. * المزيد من تحرير الاقتصاد والانفتاح علي العالم. * فتح أبواب جديدة أمام المستثمرين والقطاع الخاص. * تطوير دور الدولة بما يمكنها من النهوض بمسئوليتها الرئيسية في وضع السياسات والتركيز المطلوب علي الأبعاد الاجتماعية للإصلاح والتنمية ومحاصرة الفقر وتطوير خدمات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والضمان الاجتماعي وغيرها من الخدمات العامة. ولا شك ان هناك حاجة إلي التركيز علي الأبعاد الاجتماعية للتنمية في المرحلة القادمة لا سيما مع تطوير دور الدولة.. ويجب ان يشارك المجتمع في صياغة هذا التطوير لدور الدولة بما يحقق توافقا عاما في هذا الصدد يضع مصالح الوطن في المقدمة بغض النظر عن أية مقولات أو ايديولوجيات لم يعد لها قدرة علي التواصل مع عالم اليوم بكل مستجداته ومتغيراته.. كما ان نجاح تجربة ما في مجتمع ما في ظروف معينة لا يعني بالضرورة نجاحها في مجتمع آخر له ظروف أخري أو في ذات المجتمع في ظرف مغاير. إن الانفتاح علي العالم كله مطلوب وليس فقط علي جزء منه مهما علا شأنه.. ولعل التوجه نحو الشرق في الآونة الأخيرة وجد استجابة من مختلف قطاعات المجتمع الذي لا يخفي إعجابه وتقديره بالتجربة الصينية. سادساً: التعامل مع المرحلة القادمة ومتطلباتها بفلسفة متطورة وفكر متجدد يتواءم مع روح العصر يستجيب لمتطلباته.. ويعي ما يطرحه من تحديات وما ينطوي عليه من فرص ومكاسب.. والمضي علي الطريق بجرأة دون تردد والاستفادة من التجارب الناجحة لمن سبقونا وحققوا لأوطانهم وشعوبهم إنجازات كبيرة وعديدة. سابعاً: ندير علاقاتنا الخارجية وأعيننا علي الداخل.. ونسعي بمكانتنا الإقليمية وما حزناه من ثقة واحترام العالم لكي نفتح أسواقا جديدة أمام صادراتنا ولكي نجتذب المزيد من الاستثمارات والتكنولوجيا المتقدمة والسياحة ولكي نوسع التعاون مع الجميع في مختلف المجالات. وهذا يتطلب أن تكون خياراتنا مفتوحة وألا نقبل قيودا من أحد علي حركتنا وان نتعامل مع قضايا الأمن القومي للوطن باعتباره أولوية قصوي تعلو فوق غيرها وتعتبر قضايا المياه والطاقة جزءاً أصيلاً في منظومة الأمن القومي. تلك تحديات كبري توضح مسيرة التنمية في المرحلة القادمة وتبين معالمها وإذا كانت الأمم كالرجال تنكشف معادنها ومعادنهم أمام الصعاب والتحديات فقد صقلت معدن هذا الوطن سبعة الاف سنة من عمر الزمن.. وكلمة السر في ذلك كله أيها السادة هي المشاركة الشعبية الواسعة والواعية والفاعلة.