شهدت السنوات الأخيرة ظهور الصين والهند وغيرهما من الاقتصادات الصاعدة كمستثمرين في الأسواق الناشئة.. وتقدم الصين بالذات نفسها لدول الجنوب باعتبارها قوة عظمي من نوع مختلف تتعاون مع الدول الأخري دون أن تسعي للسيطرة عليها. ولكن مجلة "نيوزويك" تقول إن هناك من يري غير ذلك ومن هؤلاء جوزفين أوزيكينا الخبيرة في مركز السياسة الخارجية بلندن التي لا تعتبر ما تفعله الصين مع دول الجنوب نوعا من التضامن الاجتماعي وإنما هو علاقة اقتصادية وبحث عن الفرص المتاحة للاستثمار. وواقع الأمر أن الخمسة عشر عاما الأخيرة شهدت زيادة مستمرة في الاستثمارات البينية بين دول الجنوب، ويذكر تقرير صدر أخيرا عن الأممالمتحدة أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي قامت بها الدول النامية بلغ حجمها 120 مليار دولار في عام 2005 بعد أن كان هذا الرقم لا يتجاوز ال 18 مليار دولار فقط عام ،1990 أما حجم التجارة البينية لدول الجنوب فقد ارتفع هو الاَخر من ملياري دولار عام 1985 ليصبح 60 مليار دولار عام 2004 وتمثل اَسيا بالذات علامة مهمة في زيادة التجارة البينية لدول الجنوب. وفي السباق من أجل التحديث السريع لصناعاتها وتوسيع طبقتها المتوسطة تلجأ بلدان مثل البرازيل والصين والهند إلي الاستثمار بشكل متزايد في البلدان الفقيرة التي تعلو فيها نسبة المخاطر.. ومنذ أيام استضافت الصين القمة الأفريقية الصينية التي حضرها قادة من 48 دولة أفريقية أعلن الرئيس الصيني أمامهم أن الصين ستكون دائما صديقا جيدا وشريكا جيدا وشقيقا جيدا لأفريقيا. وبوضوح فإن بعض البلدان الغربية غاضبة من نتائج مثل هذه العلاقة التجارية وبالذات في الجانب السياسي منها حيث هددت الصين في عام 2004 باستخدام حق الفيتو لوقف قرار مجلس الأمن ضد السودان، وكانت الصين تستهدف بالطبع حماية استثماراتها البترولية هناك.. كذلك فإن بعض منظمات المجتمع المدني في هذه الدول تري أن الصين والهند همهما الأول هو إشباع حاجاتهما إلي الموارد الطبيعية والطاقة قبل الاهتمام بالحكم الرشيد وحقوق الإنسان. وفي حديث مع جريدة فرنسية يوم 19 أكتوبر الماضي قال بول وولفوتيز رئيس البنك الدولي "أمريكي كان نائبا لوزير الدفاع ويعد من صقور الجمهوريين" إن الصين والهند وفنزويلا لا تتجاهل حقوق الإنسان واعتبارات سلامة البيئة فحسب وإنما أيضا تهدد بإغراق دول أفريقيا الفقيرة في جبال جديدة من الديون لأنهم يقرضون هذه الدول بطريقة غير مسئولة.. وقال وولفويتز إن البنك وصندوق النقد الدوليين يشترطان في اتفاقيات القروض المقدمة للدول الأفريقية أن تراعي هذه الدول تنشيط عمليات الإصلاح الاقتصادي وخفض التضخم والإبقاء علي أسعار الفائدة عند حدود معتدلة.. كذلك فإن إلغاء ديون هذه الدول يرتبط بانصياعها لهذه الشروط.. ولكن القروض الصينية الميسرة تشجع تلك الدول الأفريقية علي عدم الالتزام بشروط البنك وصندوق النقد الدوليين. ويقدر البنك الدولي أن قروض الصين للبلدان الأفريقية التي تذهب أساسا إلي قطاعات الطاقة والاتصالات والنقل وغيرها من مشروعات البنية الأساسية قد بلغت 6.12 مليار دولار فيما بين عام 2002 ومنتصف عام 2006 ولاتزال تتزايد.. وفي قمة بكين الصينية الأفريقية الأخيرة قدم الرئيس الصيني 5 مليارات دولار إضافية كقروض ميسرة وضاعف حجم المعونة المقدمة لأفريقيا في السنوات الثلاث القادمة. وتقول الأرقام إن ما بين 50 و80% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الذاهبة إلي أفريقيا تتجه إلي الموارد الطبيعية وهذا استثمار ليس له أثر مؤكد علي المدي الطويل بل إن هناك من الأفارقة من يشكو من منافسة البضائع الصينية خاصة قطاع الملابس والمنسوجات ففي جنوب أفريقيا فقد هذا القطاع 60 ألف فرصة عمل وفي نيجيريا فقد القطاع نفسه 350 ألف فرصة عمل بسبب المنافسة الصينية. وتتميز عمليات الشركات الصينية في أفريقيا بأنها لا تعطي الأفارقة سوي أجور متدنية وتجعلهم يعملون في ظل ظروف سيئة.. وإذا كانت الصين تغير علي أفريقيا الاَن من أجل مواردها فإن الأوروبيين والأمريكيين سبق أن فعلوا نفس الشيء.. ويقول وولفويتز إن الصين بسبيلها لتكرار كل الأخطاء التي سبق أن ارتكبتها الولاياتالمتحدة وفرنسا. ومع ذلك فإن من الصعب الادعاء بأن الاستثمارات الصينية غير مفيدة لأفريقيا خصوصا أن هذه الاستثمارات مكنت الاقتصاد الأفريقي من تحقيق معدلات نمو عالية بلغت 5.5% في عام 2005.. كما أن كثيرا من المشروعات التي قامت بها الصين لم تكن تلقي قبولا من الغرب ولم تكن الشركات المحلية قادرة علي القيام بها رغم أهميتها. باختصار، تقول "نيوزويك" إن تعاون دول الجنوب فيما بينها أمر مهم نظريا ولكن علي دول العالم الثالث أن تحذر من أن تجد نفسها في النهاية قد استبدلت سيدا بسيد اَخر إذا ما كثفت اعتمادها علي الصين.