تناولنا في الاسبوع الماضي محاور وقضايا تتعلق بمشروع قانون تنظيم الجامعات المزمع اصداره كتشريع جديد يحكم العمل بجامعاتنا بديلا للقانون الحالي الذي صدر منذ 34 سنة وحددنا قواعد اربعة يمكن الاحتكام اليها في شأن مشروع القانون الجديد وتلك القواعد هي: أولا: الأهداف التي نسعي إليها من التشريع الجديد. ثانيا: كفاءة الآليات التي تضمنها التشريع لتحقيق تلك الأهداف. ثالثا: مدي معالجة التشريع الجديد لأوجه القصور في التشريع الحالي. رابعا: مدي التوازن في حقوق وواجبات أعضاء هيئة التدريس في التشريع الجديد. وبالنسبة للقاعدة الاولي فان اهداف التشريع الجديد هي احداث نقلة نوعية في التعليم العالي والانتقال من مجرد اتاحة التعليم الي جودة التعليم.. والتعامل وفقا للمعايير الدولية بالنسبة للبحث العلمي والتعليم حتي ترتفع قدرة الجامعات علي المنافسة في اسواق العمل.. ذلك هو الهدف الاساسي وهناك عدة اهداف اخري يمكن ان تتفرع عنها. ولا احد يختلف علي هذا او بشأنه.. والسؤال هنا كيف يمكن ان يتحقق هذا الهدف او ما الآليات اللازمة لذلك وهذا ينقلنا الي القاعدة الثانية وهي الآليات ويمكن ان نرصد هنا بعض أهم الآليات التي سيتضمنها التشريع الجديد وهي: 1- مزيد من الاستقلالية للجامعات في ادارة شئونها واتخاذ قراراتها واعداد موازنتها ومباشرة اعمالها.. ولا خلاف او اختلاف بشأن تلك الآلية ولكن ما يخشي منه ان تترك كل جامعة لتدبر امرها بشأن مواردها المالية في حدود ما تقبله من اعداد وما يعطي لها من الموازنة العامة.. وهنا قد يضعها امام اختبار صعب قد لا تقدر عليه وهناك ملاحظة اخري بشأن الاستقلالية وهي وجود مستوي ادارة جديد هو مجلس الامناء فوق مجلس الجامعة ومن اختصاصاته المزمنة وضع الاستراتيجيات وتحديد السياسات وتقييم الاداء وترشيح وتعيين القيادات العليا في مؤسسات التعليم واقرار الحسابات الختامية واعتماد الموازنة السنوية.. واذا كان تشكيل مجلس الامناء علي هذا النحو سيكون معظمه من خارج الجامعة فقد يؤثر ذلك - من وجهة نظر البعض.. علي الاستقلالية كما ان الآليات التي سيستخدمها مجلس الامناء في القيام بوظائفه ومدي انضباطها وخضوعها للمعايير يصعب الخروج منها تظل محل استفسار وملاحظة اخيرة في هذا الصدد تتعلق بمجلس الجامعة الذي سيقتصر دوره علي التنفيذ والاقتراح وليس وضع الرؤي واتخاذ القرارات وأثر ذلك ايضا علي الاستقلالية. 2- تقديم الخدمة التعليمية المقننة الجودة علي اساس التكلفة الفعلية وقيام الدولة بادارة نظام مجانية التعليم عن طريق آلية التعاقد بين الدولة والمؤسسة التعليمية.. وتلك الآلية ينظر اليها البعض علي انها التفاف حول مجانية التعليم.. ونحن مع المتمسكين بالمجانية في هذا الصدد ولكن السؤال بأية كيفية ولمن تعطي المجانية.. ويلزم هنا ان نعترف بأن اتاحة المجانية لمن يستحقها ولمن لا يستحقها قد اضرت ضررا بالغا بالعملية التعليمية وهنا فان وضع ضوابط لها لجعلها تذهب فقط الي مستحقيها يعد امرا ضروريا ويجب ان توضح اللائحة التنفيذية الآليات المطلوبة لتحقيق ذلك. 3- منح الجامعات حرية إدارة محافظها المالية وانشاء كيانات تعليمية واعداد اللوائح وتكون شركات ووضع ميزانيات والحصول علي الدعم الخارجي وادخال انماط جديدة في التعليم وتحديد البرامج التعليمية في اطار التزامها باعداد حساب ختامي وموازنات تراجعها الاجهزة الرقابية وفي اطار حق مجلس الامناء في مناقشة ادارة الجامعة في اسلوب تنفيذ تلك الخطط.. تلك الآلية تعتبر نقلة نوعية حقيقية ولكنها في نظرنا تحتاج الي التدرج في التطبيق في اطار برنامج زماني يعصم الجامعات من الانتقال المفاجئ من نظام الي اخر لا تمتلك منذ الوهلة الاولي مقومات نجاحه. 4- اختيار القيادات الجامعية عن طريق الاعلان المفتوح وذلك من رئيس الجامعة الي عميد الكلية الي رئيس القسم واشتراط تفرغ رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات والمعاهد ووكلائهم ورؤساء مجالس الاقسام تفرغا كاملا لعملهم ولا يسمح بأي اعمال خارج الإدارة الجامعية بما في ذلك مزاولة المهنة اثناء فترة توليه المنصب القيادي.. كما يجوز تعيين اساتذة اجانب واساتذة زائرين ومراسلين غير متفرغين واستحداث درجة استاذ تخصص. ولا بأس بذلك كله لكن اسلوب الاعلان المفتوح يجب ان يدرس بعناية من حيث مدي ملاءمته للظروف الراهنة للجامعات ومن حيث مدي الموضوعية التي يجب ان يخضع لها تطبيقه حتي لا يعتبر بابا للوساطة والمحسوبية كما يجب ان يدرس من حيث ما يمكن ان يحدثه من اثر - سالب أو موجب - علي الاساتذة والعاملين بالاقسام المختلفة بالجامعة وان يكون هناك ايضا تدرج في تطبيقه.. كما ان قضية التفرغ الكامل وعدم السماح لأي اعمال خارج الادارة الجامعية بما في ذلك مزاولة المهنة هي من الامور التي لا يمكن ان تتم في غياب وجود كادر مالي ملائم كما انها تطرح التساؤل حول مدي ملائمة ذلك وتأثيره علي الارتقاء بتلك المهن وحرمان المجتمع من اسهام تلك القيادات في ذلك خلال فترة تولي المنصب القيادي. ثالثا: قاعدة مواجهة أوجه القصور في التشريع الحالي إذا كانت ابرز اوجه القصور في التشريع الحالي - كما يراها البعض - هي انصراف اعضاء هيئة التدريس عن التفرغ للأداء الجامعي والاعتماد علي نظام الاقليمية كنظام صارم وديمومة الوظائف.. وعدم مرونة نظم ومستويات التفرغ لاعضاء هيئة التدريس.. والمركزية في ادارة التعليم العالي.. ووضع هياكله وعدم ارتباطها بالاحتياجات التعليمية والبحثية. فاننا نستطيع ان نقول ان مشروع القانون الجديد قد جاء بعلاجات لكل تلك الاوجه من القصور ولكن السؤال حول مدي ملاءمتها والحاجة الي التدرج في تطبيقها يظل مطروحا لاسيما ما يتعلق بالامور التالية: 1- تحديد نظم ومستويات التفرغ لاعضاء هيئة التدريس طبقا لمتطلبات الاقسام. 2- اعتماد مبدأ التعيين في الوظائف الاكاديمية لمدة محددة قابلة للتجديد لمدة مماثلة. 3- اعتبار كل تخصص داخل القسم العلمي وحدة علمية برئاسة استاذ متخصص داخل القسم. 4- تعديل نظام الترقي ليعكس الكفاءة وليس الاقدمية واشراك شخصيات دولية في لجان تقييم الابحاث العلمية للترقي وتيسير انتقال اعضاء هيئة التدريس بين الجامعات وتطعيم هيئة التدريس بعناصر من اصحاب الخبرة في المهن المختلفة. كل ذلك لا بأس به ولا غبار عليه ولكنه يبحث عن آليات وقواعد موضوعية في تطبيقه كما يستدعي التدرج في التطبيق. رابعا: مدي التوازن بين حقوق وواجبات اعضاء هيئة التدريس في التشريع الجديد يرتبط الدخل في مشروع القانون الجديد بالاداء ولا يقتصر علي المرتب الشهري حيث يمكن للجامعات بصفتها وحدات اقتصادية مستقلة منح الاساتذة دخلا اعلي من غيرهم بناء علي التميز كما يحق للمؤسسة تجاوز الحد الادني للدخل ومنح الاساتذة مكافآت وبدلات. وببساطة ودون الدخول في كثير من التفاصيل المعقدة فان ذلك يعني ان الامر متروك لشطارة كل جامعة وقدرتها علي تمويل تلك الاحتياجات اي ان الكرة في ملعب الجامعة وليست في ملعب الحكومة وهذا لا يحقق استقرارا ولا يضمن توازنا.