لم يكن مفاجأة ما حدث في وسط البلد ولا وجه للاستغراب فالذي حدث رد فعل طبيعي جدا لما أصاب الأمة من انحطاط أخلاقي وتسيب مع الجهل الذي صرنا نرتع فيه وتخلي المثقفون المصريون عن التصدي لمثل هذه القضايا.. تماما مثلما تركنا عدة قضايا دون دراسة منها وأهمها قضية "الدروشة" وضعف التعليم والتسيب في الشارع المصري واللامبالاة التي أصبحت داء استعصي علاجه؟!! أن غياب الثقافة سبب مباشر لضياع الهوية فقد تركنا المجال فارغا ولأن الطبيعة تكره الفراغ فقد ملأه الدجل والشعوذة والدروشة حتي لم نعد نعرف من نحن؟ ونسينا أننا نحن المصريين المعاصرين أصحاب الثقافة الإسلامية والثقافة القبطية التي تغذت من الثقافة الفرعونية ووضعت بصمتها علي القومية المصرية. فنحن الاقباط المسلمين والاقباط المسيحيين نتشارك في هذا الوطن تدافع عنه بقلوبنا وعقولنا ونرفض تماما تقسيم المجتمع ما بين مسيحي ومسلم ومحجبة وغير محجبة وزي أفغاني أو باكستاني حاول البعض اقناع الشباب الضائع والخاوي أنه فريضة دينية. والوضح أن غياب الهدف القومي أساس هذا البلاء الذي يغذيه الجهل الذي "يتعلمه" الشباب في المدارس وأجهزة الاعلام المرئبة والمسموعة والمقروءة مقرونة بأحداث عالمية متطرفة ونظم مستبدة لم تترك الخيار للشباب وحرمت عليهم التفكير والبحث العلمي وحتي الدفاع عن أنفسهم فبدلا من التطلع إلي المستقبل تاهوا في بحورالتطرف والثعبان الأقرع والدخول إلي الحمام بالرجل اليمني وليس بالرجل اليسري؟ وما حدث في وسط البلد هو في الحقيقة تراجع في الأخلاق والقيم واحلال العنف محل السلام واللامبالاة بدلا من الاهتمام بقضايا الأمة ومحاولة الخروج من الفقر والبطالة. وانقسم الشباب ما بين ملتح لا يفهم جوهر الدين بل يسيء تفسيره بالتحريض علي محاربة العلم والتقدم والتمسك بالشكليات الجوفاء وبين منحل أخذ المخدرات والملذات ملاذا له وهروبا من مسئولياته. إن الانفلات الجماعي الذي حدث في واقعة وسط البلد ذكرنا بأحداث الاعتداء الصارخ علي الطالبة في حادث العتبة الشهير والتي انتهكت فيه أمام المارة وداخل الأوتوبيس. وغيره من جرائم تتم في كل مكان في العالم ولكن العالم يعرف كيف يحاربها ونحن نعرف كيف نثبتها.. عندما يسمح لراقصة أن ترقص في الشارع أمام شباب في عمر الزهور يعانون الكبت الجنسي ومحتارون بين الحرام والحلال ويجدون أمامهم فجأة مغنياً وراقصة وازدحاماً وهم يعانون من آفات الجهل والتخلف وتحريم المرأة وتصويرها طول الوقت بأنها الشيطان طبيعي أن تتحرك العزيزة دون أن يردعها قيم أو دين. أن هذه الظاهرة يجب أن تؤرق المجتمع لأن ظاهرة الانفلات الأخلاقي في الشارع المصري قد فاقت الحدود وأنا لا أعرف سببا لعدم التصدي لكل أشكال التسيب والاستهتار الذي يعيش فيه المجتمع المصري وعدم الاحترام الذي ساد كل الأوساط وحلول قلة الأدب بدلا من الأدب وانعدام النخوة. والمتهم الأول في هذه القضية هو الذي سمح لبعض الفنانيين بتحويل الشارع إلي كباريه.. مغني ورقص دون مراعاة لحرمه أو أخلاق فأصبحت شيمة المتفرج الرقص والتحرش بالفتيات الذي شاء حظهم العاثر أن يتواجدوا في هذا المكان وقت هذا الفعل والذي من وجه نظري شائن استحل كل الوسائل من أجل الدعابة لفيلم سينمائي أبطاله من مطربي وراقصات الكباريهات. من ناحية ثانية نجد أن ما حدث للصحفيات المصريات أمام نقابة الصحفيين من شهور مضت وانتهكت فيها أعراضهن من قبل البعض وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذا الانحلال والانحطاط الأخلاقي كان في الواقع عقد سماح للشباب المكبوت في حذو حذوهم حتي وصل الأمر إلي انتهاك الاعراض وعدم احترام الحرية الشخصية؟!! شكل آخر من أشكال التطرف نهمله ونتركه حتي نصل إلي مأساة أخري وهي الملصقات علي السيارات العامة والخاصة التي توخي أول ما توخي بالتحريض. أن التسيب وعدم تنفيذ القوانين واحترامها أساس البلاء، كل لمطلوب تفعيل القرار فمنذ عدة سنوات صدر تحريم وضع ما يدل علي علي الديانة علي السيارات وجرياً علي عاداتنا نسينا تنفيذ القانون. يجب أن يطبق القانون بلا محسوبية وليعلم المسئولون أنهم قدوة بل ويجب أن نعترف بكل شجاعة بأن ما حدث في وسط البلد ليس ظاهرة في الشعب المصري وإنما هي مشكلات نفسية يعاني منها جموع الشباب وفق قانون الكبت؟!!