منذ أن اندلعت أزمة البنزين في العراق قبل شهور طويلة، بدأ العراقيون الأكراد في محافظة أربيل التي تتمتع بالحكم الذاتي في الشعور بالضيق من الحكومة المركزية في العراق التي فقدت السيطرة علي إمداد هذه المنطقة وغيرها من المناطق الكردية بالوقود وهو ما أدي إلي تزايد قناعتهم بضرورة أن يسيطر العراقيون الأكراد علي سياستهم البترولية. ويبدي مسئولون أكراد غضبهم من سوء التخطيط الصادر من الحكومة المركزية التي أدت بسياساتها إلي تفاقم الأزمة في دولة من المفترض أن تكون من كبري الدول في العالم إنتاجا للبترول.. إلا أن هناك سؤالين يبحثان عن الإجابة.. الأول عن كيفية تقسيم إمدادات البترول ومن يسيطر علي عوائده والثاني يؤدي إلي تعاظم الجدل حول ما إذا كان العراق سيحافظ علي وحدته أم سينفصل إلي عدة دويلات. ولفتت هذه الأزمة نظر وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي زارت العراق الأسبوع الماضي وأشارت إلي ضعف الحكومة العراقية وقالت إن البترول قطاع يحتاج إلي أن يكون موحدا.. إلا أن الأمر يختلف كثيرا فيما يطلق عليه كردستان العراق حيث يتحرك المسئولون في الاتجاه العكسي وينتهكون القوانين ويضغطون لفرض سياسات تضمن استقلالهم البترولي عن بغداد. ويلهم النموذج الكردي العراقيين الشيعة الذين يقيمون في أغلبهم بجنوب العراق الغني بالبترول ليسعوا إلي نفس القدر من الاستقلال. وفي الوسط يأتي العراقيون السنة الذين لا يمتلكون احتياطيات بترولية وهؤلاء بدأوا يشعرون بقلق بالغ بشأن التحركات الكردية في هذا المجال وأن يتركوا دون الحصول علي دخل من البترول العراقي الذي تعيد الحكومة المركزية توزيعه عبر أنحاء البلاد وبلغ التوتر أشده في وقت سابق من الشهر الماضي حيث أعلن رئيس وزراء ما يعرف بكردستان العراق أن الحكومة الكردية الاقليمية ربما تضطر إلي التفكير في الانفصال عن بغداد إذا ما واصلت الحكومة المركزية في بغداد ضغوطها عليها بشأن العقود التي أبرمتها مع شركات أجنبية لاستكشاف البترول. وتوضح أزمة البنزين المزمنة السبب الذي يدعو صناع القرار في المنطقة ليصبحوا متعطشين لتوفير إمدادات مستقلة من البترول، كما يشير إلي إمكانية ظهور نزاعات مستقبلية سواء مع بغداد أو مع جيران العراق مثل تركيا التي تنظر إلي تنامي استقلال كردستان العراق بنظرة عميقة من الخوف والقلق. وعلي الرغم من أن العراق من كبري الدول المنتجة للخام في العالم فإن مصافي التكرير فيه تتعرض باستمرار لعمليات تخريب وهو ما يؤدي إلي وجود عجز مزمن في المحروقات مما يدفع العراق إلي شراء البنزين من تركيا التي لا تمتلك احتياطيا بتروليا ولكن لديها قطاعا كبيرا لتكرير البترول. وبسبب سوء الإدارة والأوضاع غير المستقرة لا يزيد إنتاج العراق يوميا علي مليوني برميل وهو معدل أقل من إنتاجه قبل الغزو في فبراير 2003 وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية. والمثير أن الكثير من مضخات البترول العراقية علي سبيل المثال لاتزال في حاجة إلي عدادات حديثة وهو ما يصعب من مهمة اقتفاء أثر كمية الغاز التي تم ضخها أو بيعها. وفي عام 2005 بلغت مديونية العراق لصالح تركيا 980 مليون دولار بسبب ما اشتراه من استيراد البنزين.. كما يبدو أن الأزمة في طريقها إلي المزيد من التفاقم بسبب توقف الشاحنات التي كانت لا تنقطع عبر الحدود بين العراق وتركيا عن دخول شمال العراق وبالتالي أصبحت المناطق الكردية هي الأكثر تضررا، كما يشير إلي ذلك ناوزاد هادي مولود محافظ أربيل الذي يضع أوامر تحدد الحصول علي الوقود حيث تحصل وسائل النقل العام أولا علي احتياجاتها وبعدها السيارات الحكومية ثم السيارات الخاصة التي لا يهم كثيرا بحسب قوله أن تحصل علي حاجتها إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. وبالإضافة إلي ما يمكن أن تثيره مثل هذه الخطوة الكردية الرامية إلي ضمان استقلالهم البترولي في الداخل ستؤدي الخطوة نفسها إلي المزيد من التوتر الذي قد يصل إلي الذروة مع تركيا التي تخشي كثيرا من المناطق الشمالية لما يعرف بكردستان العراق التي أصبحت أشبه بملاذ اَمن لجماعات كردية مسلحة متعددة كثيرا ما تشن هجمات ضد مصالح تركية انطلاقا من الأراضي التركية. والأخطر بالقطع هو تمزيق أوصال العراق وتحوله إلي دويلات صغيرة وأن يتم تهميش العراقيين السنة في ظل خريطة سياسية جديدة محتملة بالعراق.