حتي وقت قريب كنا نعتقد ان موجات ارتفاع اسعار البترول التي شهدها العالم في السبعينيات تمت رغم رفض الولاياتالمتحدة واعتراضها ومقاومتها لرفع الاسعار ولكن ها هو احمد زكي اليماني وزير البترول السعودي السابق واشهر وزير بترول في المملكة العربية السعودية يكشف ان ارتفاع اسعار البترول وقتها في اعقاب حرب اكتوبر تم بمعرفة الولاياتالمتحدة، بل وبتحريض وتخطيط منها ايضا! فقد سعت واشنطن وقتها لاغراء منتجي البترول العرب بالموارد الكبيرة التي سيحصلون عليها برفع الاسعار حتي يتوقفوا عن خطة تخفيض انتاج البترول التي لجأوا اليها خلال حرب اكتوبر للضغط علي واشنطن حتي تضغط بدورها علي اسرائيل للانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها. بل ان اليماني يقول إن ثمة هدفا اخر اهم من الناحية الاستراتيجية وراء تحريض واشنطن لرفع اسعار البترول في هذا الوقت وهذا الهدف كان ينشده ويخطط له هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي ومستشار الامن القومي ويتمثل هدف كيسنجر في ان رفع اسعار البترول سوف يتمخض في النهاية ليس فقط عن زيادة موارد الدول العربية المنتجة للبترول او حتي كل دول منظمة اوبك وانما سيؤدي وهذا هو ما كان يتطلع اليه الي زيادة موارد شركات البترول الامريكية مما يتيح لها امكانيات اكبر للانفاق علي البحث والكشف عن البترول في امكانيات اكبر للانفاق علي البحث والكشف عن البترول في اماكن اخري خارج نطاق اوبك. وكما خطط كيسنجر حدث بالفعل، تتابعت الاكتشافات البترولية للشركات الامريكية خارج دول اوبك وبالتالي نقصت مساهمة دول اوبك في تجارة البترول العالمية الي النصف تقريبا مما ادي الي اضعاف النفوذ العالمي لاوبك. واليوم.. هل يمكن ان يكون هناك سبب مماثل لموجات ارتفاع اسعار البترول التي نشاهدها عالميا؟ وبتحديد اكثر.. هل يمكن ان تكون واشنطن هي المخطط والمحرض لهذا الارتفاع الكبير لاسعار البترول العالمية كما حدث منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت؟! ثمة سبب أو أسباب ترجح ذلك. فأكثر من يدفع ثمن هذا الارتفاع الكبير في اسعار البترول هي الصين والدول الاوروبية.. والولاياتالمتحدة تريد معاقبة اوروبا علي معارضتها غزو العراق وعدم مشاركتها ولو بشكل رمزي في هذا الغزو علي غرار ما حدث في غزو افغانستان وليس هناك بالطبع ما يوضح اكثر من العقاب الاقتصادي، خاصة ان اسعار البترول المرتفعة تعرقل وتحد من معدلات النمو الاقتصادي للدول الاوروبية. وربما يعزز من هذا الاستنتاج ان واشنطن لجأت في محاولاتها لاغراء الشركاء الاوروبيين للمشاركة في حرب العراق بالتلويح لهم بان هذه الحرب ستؤدي الي تخفيض هائل وكبير في اسعار البترول تصل بسعر البرميل - كما قال توماس فريدمان - الي 6 دولارات فقط.. وهذا يعني ان الاستخدام السياسي للبترول واسعاره ليس بعيدا عن التفكير الاستراتيجي الامريكي بل ان احد المفردات الاساسية لهذا التفكير. اما الصين فانها تحولت الي عملاق اقتصادي يؤرق ويزعج امريكا وهي تسعي بكل السبل لوضع العراقيل امامه علي المستوي الدولي لتؤخذ تحوله الي عملاق سياسي يهدد انفرادها بانها القوة الدولية الاعظم.. تحاول ذلك واشنطن عبر منظمة التجارة العالمية، وعبر صندوق النقد الدولي، وايضا من خلال اشهار ورقة حقوق الانسان في وجه الصين.. فلماذا لا تكون واشنطن تحاول عرقلة بزوغ الصين كعملاق سياسي من خلال البترول ايضا؟ ان الصين دولة تعتمد علي الخارج بصورة متزايدة للحصول علي البترول وبالطبع فان زيادة اسعار البترول سوف تؤدي الي ارتفاع اسعار الطاقة وبالتالي ارتفاع تكلفة انتاج السلع مما يؤثر بالسلب علي القدرة التنافسية لهذه السلع في الاسواق العالمية مما يحد من تدفقها علي اسواق امريكا ذاتها فيقل العجز التجاري بينها وبين الصين وهو العجز الذي تشكو منه واشنطن مر الشكوي وتضغط عبر صندوق النقد الدولي لتعديل سعر العملة الصينية للحد من القدرة التنافسية لصادراتها في الاسواق العالمية وخاصة الامريكية وذلك بدعوي ان قيمة هذه العملة منخفضة بشكل غير مبرر من خلال تحكم السلطات الاقتصادية والنقدية الصينية. اذن.. رفع اسعار البترول يحقق فوائد استراتيجية علي المدي البعيد للولايات المتحدة.. ولذلك ليس مستبعدا ان تكون قد خططت وحرضت علي ذلك خاصة وان ذلك يجد ترحيبا من روسيا التي تعافي اقتصادها بسبب زيادة موارد البترول وايران التي تحتاج موارد اضافية للانفاق علي برنامجها النووي. وقد يري البعض ان رفع اسعار البترول سيؤثر بالسلب علي الولاياتالمتحدة ايضا لانه سوف يرفع اسعار الطاقة فيها.. ولكن نسي هؤلاء ان الولاياتالمتحدة تحملت في السبعينيات راضية ارتفاع اسعار البترول من اجل اضعاف اوبك ونجحت بالفعل في ذلك حينما حرضت شاه ايران وقتها علي ممارسة الضغوط من اجل رفع اسعار البترول. ثم ان الولاياتالمتحدة قد لا تتحمل الكثير من رفع اسعار البترول مثلما تحملت في السبعينيات من اجل هدف استراتيجي.. فهي تحتل الان العراق وتسيطر علي نفطه.. ولا احد حتي في العراق، يعرف بأي سعر تحصل علي هذا البترول؟ واين تذهب عوائده.. اي ان الولاياتالمتحدة لديها موردا رخيصا للبترول وربما يكون مجانيا ايضا، وهذا المورد يعوضها عن العبء الذي تتعرض له من جراء رفع اسعار البترول عالميا. والاكثر من ذلك.. فان الموارد الاضافية الكبيرة التي يحققها منتجو البترول العرب من جراء الارتفاع العالمي لاسعار البترول ليست بعيدة عن اليد الامريكية فان جزءا ليس قليلا من هذه العوائد يعاد ضخه في شرايين الاقتصاد الامريكي حينما يتم استثمارها في امريكا مرة اخري او في مشروعات تشارك او تقوم بها شركات امريكية.. اي ان واشنطن سوف تستفيد بشكل غير مباشر من ارتفاع اسعار البترول العالمية.