أجرت شركة نوكيا الفنلندية العملاقة لصناعة أجهزة التليفون المحمول مسحا عالميا في مطلع يونية الماضي أوضح أن ثلثي مستخدمي أجهزة التليفون المحمول يعتقدون أن هذه الأجهزة التي صارت تشبه الكمبيوتر سوف تحل كليا محل أجهزة الموسيقي MP3 ومنها جهاز أبل الشهير iPod. وتقول مجلة "فورتشن" إن قراءة نتائج هذا المسح توضح أمرين، أولهما أن نوكيا تريد الحصول علي أعلي إيرادات من أجهزتها الجديدة للتليفون المحمول.. أما الأمر الثاني والأهم فهو أن ثمة حربا أو فلنقل منافسة شرسة تدور رحاها الاَن بين شركات صناعة أجهزة التليفون المحمول مثل نوكيا وموتورولا وسوني إريكسون من جانب وبين شبكات تشغيل التليفون المحمول مثل فودافون وأورانج وفيريزون وغيرها من جانب اَخر علي سوق التسلية عبر التليفون وهو سوق قدر أن حجمه سيصل إلي 42 مليار دولار مع حلول عام 2010 وذلك حسب أرقام شركة الأبحاث البريطانية إنفورما. والقضية ببساطة هي كيف ستصل الأغاني وأفلام الفيديو والألعاب إلي أجهزة التليفون المحمول؟ وهل ستصل عبر شبكات التشغيل وخاصة شبكات الجيل الثالث التي تكلفت عشرات المليارات من الدولارات؟ أم ستصل عبر تقنيات جديدة تتجاوز هذه الشبكات وبعضها تصب إيراداته مباشرة في جيب شركات صناعة أجهزة التليفون المحمول؟ ولعلنا نذكر أن الشبكات صارت مهددة في إيراداتها حتي من المكالمات الصوتية العادية منذ ظهور تقنية الحديث عبر الانترنت المعروفة باسم VOIP.. وكانت نوكيا قد أضافت في مايو الماضي برنامج جوجل للتحدث التليفوني إلي جهازها المعروف إنترنت تابلت 770 وهو جهاز محمول يستخدم للتحدث التليفوني عبر الانترنت عن طريق تقنيات الاتصال Wi-Fi. ويقول فرانك سكست المدير المالي في هوتشيسون وامبوا بهونج كونج الذي يملك شبكات تشغيل للجيل الثالث في أوروبا واَسيا إن التحول في سلوك المستهلك لايزال في بدايته وأن هناك تعارضا سيشتعل بين مصالح شبكات التشغيل ومصالح شركات صناعة الأجهزة ومصالح شركات الميديا ولا أحد يعرف حتي الاَن في تقدير سكست من الذي سيفوز في هذا الصراع. لقد أصبحت أجهزة التليفون المحمول الحديثة مثل أجهزة الموسيقي MP3 فجهاز نوكيا N91 وجهاز سوني إريكسون W950 ووكمان فون يستطيع كل منهما أن يحمل اَلاف الأغاني ويستطيع المستهلكون تحميلهما بالأغاني بنفس طريقة تحميل أجهزة iPod أي عن طريق الانترنت من المواقع أو عن طريق الكمبيوتر الشخصي.. ويمكن حدوث اتفاقات لتقاسم الإيرادات بين شركات صناعة أجهزة التليفون المحمول ومواقع الانترنت، بل إن شركة مثل نوكيا لم تستبعد إقامة موقع خاص بها لتقديم خدمة تحميل الموسيقي والأغاني وهي بالفعل تدرس ذلك في الوقت الراهن. وتقول مجلة "فورتشن" إن هذا يجب أن يدق ناقوس الخطر لشبكات تشغيل التليفون المحمول الأوروبية بالذات التي أنفقت 100 مليار دولار علي تراخيص إقامة شبكات الجيل الثالث ناهيك عن تكاليف إنشاء الشبكات ذاتها.. وليس ضامنا أن شركات شبكات تشغيل التليفون المحمول تعول في جزء مهم من إيراداتها ومكاسبها علي بيع خدمات التسلية ونقل البيانات. ورغم أن بعض كبار المسئولين في فودافون يعولون علي تشارك شبكات التشغيل مع شركات صناعة الأجهزة في هذا النوع من الإيرادات فإن فرص هذا التشارك تخفت لأن التقنيات الجديدة تعطي فرصة لشركات صناعة الأجهزة كي تشفط معظم الإيرادات لنفسها وتترك الفتات لشركات شبكات التشغيل. وعلي سبيل المثال، فإن كثيرا من أجهزة التليفون المحمول الحديثة مركب فيها تقنية USB التي تتيح للمستخدم تحميلها بالموسيقي والأغاني من كمبيوتر شخصي متصل بالانترنت كما أنها مزودة أيضا بتقنية الاتصال اللاسلكي Wi-Fi التي تتيح الاتصال المباشر بالانترنت عن غير طريق شبكات التشغيل. بل إن شبكات الجيل الثالث ذاتها تتيح للعملاء عن طريق سرعتها الفائقة فرصة تصفح الانترنت من خارج بوابات شركات التشغيل مثل فودافون لايف وأورانج وورلد.. وهذا هو السبب في اتفاق شركات صناعة أجهزة التليفون المحمول مع شركات الانترنت مثل جوجل وياهوو علي تحميل بواباتها مسبقا في الأجهزة الجديدة. أكثر من ذلك فإن شركات صناعة أجهزة التليفون المحمول لم تعد تعتمد علي شركات شبكات التشغيل في تسويق أجهزتها الجديدة وإنما صارت تعتمد علي قنوات تسويق مستقلة أو تقيم قنواتها الخاصة للتسويق. باختصار، فإن شركات تشغيل التليفون المحمول ستكون هي الخاسر في هذا السباق برمته بفعل التقنيات الاتصالية الجديدة.. ولكن شركات التشغيل من جانبها تحاول التأقلم مع هذه الأوضاع الجديدة ربما عملا بالحكمة القائلة أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.