رغم التسليم بأن الاجتماعات العربية، علي كل المستويات، وزارية كانت أو علي مستوي الخبراء أو حتي علي مستوي القمة، لم تعد تمثل مصدرا للأخبار بقدر ما تمثل مصدرا للنكد علي المواطنين العرب من المحيط الي الخليج.. رغم ذلك فان الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الخارجية العرب في بيروت أمس الأول ربما يمثل استثناء من هذه القاعدة. وأسباب ذلك متعددة. أولها أن "اصحاب المعالي" الوزراء تذكروا أخيرا ان هناك عاصمة عربية تتعرض للقصف الإسرائيلي، وبلدا عربيا يتعرض لعدوان غاشم، وانه من العار ان يقوم وزير خارجية ايران بزيارة هذه العاصمة العربية قبل ان يقدم اي من نظرائه العرب علي مثل هذه الخطوة! ثانيا- مع ان هذه الخطوة جاءت متأخرة فان حدوثها متأخرا أفضل من عدم حدوثها علي الإطلاق. ثالثا - ان بعض أصحاب المعالي الذين أعربوا في بداية هذه الحرب السابعة عن مواقف تحمل شكلا من أشكال التأييد للعدوان الاسرائيلي بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وإلقاء اللوم بالمقابل علي حزب الله غيروا هذه المواقف السيئة، أو علي الاقل كفوا عن التعبير عنها علنا. رابعا - نتيجة لذلك لاحظ المراقبون فارقا كبيرا بين أجواء اجتماع أصحاب المعالي وزراء الخارجية العرب في القاهرة وبين اجتماعهم أمس الأول في بيروت، حيث شهد الاجتماع الأخير موقفا "موحدا" بينما كان الاجتماع الأول زاخرا بالمواقف التي تكرس الانقسام، وهو ما تلقفه رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت واستنتج منه ان الحرب التي يشنها علي لبنان تحظي بتأييد عربي وإسلامي! خامسا- الاتفاق الذي توصل إليه الاجتماع الأخير تبلور حول أهداف واضحة (برنامج رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة ذي النقاط السبع) وآليات محددة (ترويكا عربية تنتقل الي نيويورك لمحاولة تعديل مواقف مجلس الأمن المنحازة لإسرائيل). صحيح ان هذا كله يبقي بعيدا عن الحد الأدني المطلوب من الحكومات العربية كي تكون في مستوي هذا التحدي الكبير، لكنه يسجل تقدما نسبيا عن الصورة التعيسة السابقة. وهذا التقدم النسبي لم يحدث من تلقاء نفسه بل هو نتيجة لسببين رئيسيين: الأول هو الصمود البطولي للمقاومة الوطنية اللبنانية، فالواضح ان اندفاع البعض في بداية الأمر لاتخاذ المواقف السلبية إياها كان نتيجة توقع بأن حزب الله لن يستطيع ان يصمد في مواجهة الجيش الاسرائيلي "المخيف" سوي ساعات أو أيام معدودات، فإذا به يتصدي لهذا الجيش - الذي قيل انه لا يقهر - ويواجهه ببسالة داخل الأرض اللبنانية، بل ويكيل له الصاع صاعين داخل اسرائيل نفسها ويجبر الدولة اليهودية علي ان يبيت اكثر من ثلث سكانها في الملاجئ وان يذوقوا بعض الإذلال الذي احتكروا الحاقة بالعرب سنينا وعقودا طويلة. السبب الثاني لتغير المواقف الرسمية العربية هو السخط الشعبي العربي الذي عم المنطقة من المحيط الي الخليج، ولم يقتصر هذا السخط علي الإسرائيليين البرابرة وإنما شمل النظام العربي الرسمي. صحيح إن هذه ليست المرة الأولي التي يوجه الناس فيها انتقاداتهم لهذا النظام العاجز والمهترئ لكنها لم تحدث من قبل بهذه القسوة والحدة وذاك الاتساع. وبالنتيجة عكس "الشارع" تأثيره علي أصحاب المعالي وايقظهم من سباتهم العميق .. ولو الي حين.