العنوان السابق ياسادة ليس اسما لفيلم من افلام الصيف التي اعتدنا ان نشاهدها في زمن السينما العظيمة، وليس عنوانا لرواية بوليسية من سلسلة المغامرون الخمسة "تختخ ولوزة ونوسة.. لمن يعرفهم من جيلنا".. لكنه للأسف هو أدق وصف لحال الحكومة المصرية التي تنتظر عن بكرة ابيها ووزرائها وخبرائها المستثمر العظيم والعصامي الاكبر، وحبيب الوطن السيد سعيد الحنش.. المقيم في المملكة العربية السعودية والقادم علي ظهر العبارة لشراء السيد عمر أفندي. فالاستاذ الحنش يا سادة - والذي لا نعرف عنه اي شيء سوي انه يعمل في قطاع العقارات طبقا لكلامه في المملكة العربية السعودية - ظهر علينا فجأة وبدون سابق انذار وبدون التزام بمواعيد طرح او فض مظاريف او قواعد او قوانين ليلوح للحكومة بملياري جنيه وهي ضعف قيمة العرض المطروح تقريبا.. ويقول ان كل ده "في حب مصر"!! واستغل السيد الحنش طبعا حالة الضعف الحكومي الشديدة التي تعاني منها حاليا خاصة بعد الهجوم الشرس الذي تعرضت له وزارة الاستثمار ووزيرها والحكومة ككل من صفقة عمر افندي والتي شهدت حملة اعلامية شرسة لم يطفئها اعلان مجلس الشعب والنائب العام سلامة اجراءات الصفقة. ولان القصة لم تعد التزاما بقواعد او قوانين ولان انقاذ الحكومة سياسيا اضحي الان اهم كثيرا من سمعتها الاستثمارية في الخارج والداخل ايضا.. فقد استسلمت وزارة الاستثمار واستجابت للسيد الحنش.. لكن الحنش - ياسادة - بدأ من جانبه بعرض جديد مشوق لا أظن انه يمكن تكراره في أي بلد آخر او حتي في اي فيلم سينمائي اخر.. فالمباحثات لا تجري مع السادة في وزارة الاستثمار او الشركة القابضة في غرف مغلقة او حتي عبر الهاتف او الخطابات المتبادلة لكنها تجري علي الهواء في البرامج التليفزيونية وعلي صفحات الجرائد!! فاذا سؤل السيد الحنش لماذا تدفع هذا المبلغ فلا يجيب بان تقييمه لعمر افندي يساوي ذلك ولكن الاجابة تأتي اكثر ادهاشا "من اجل مصر"!! يا حلاوة. ولأن الشراء ليس بالنوايا الطيبة أو الحب.. فمطلوب من سيادة الحنش الوحش ان يقدم خطاب ضمان.. وخطاب الضمان ياسادة طبقا لخبراء البنوك يمكن ان يرسل بنظام السويفت في دقائق من البنك الخاص بالمودع اذا ما كانت لديه الملاءة المالية او اذا ما اودع المبلغ المطلوب في حساب له.. لكن السيد الحنش لا يستطيع ان يقدم خطاب ضمان هذا الشهر ويحتاج الامر منه 6 أسابيع لتقديمه "ولا ادري هل هي لجمع الأموال من السوق ام لتضييع الوقت أم ماذا؟" ويطلب بجرأة يحسد عليها ان يتم مد المهلة حتي 2 سبتمبر.. وبكل غرابة تقبل الحكومة الانتظار مرة اخري. ويخرج علينا السيد الحنش ليقول انه سيأتي الي القاهرة ومعه خطاب الضمان بنفسه وكأنه لا يضمن ان يضيع الخطاب في السويفت او في الطريق.. والسكة طويلة بين مصر والسعودية!! وهكذا يكسر السيد حنش كل القواعد ويستخف بعقولنا جميعا فهو لم يقرأ الاعلان عن بيع عمر افندي الذي نشر في كل الصحف العربية والمصرية وليس لديه مكتب لمتابعة ذلك في القاهرة، ثم يأتي بعد اشهر من اغلاق باب التقديم ليقرر فجأة رغبته في الدخول ثم يماطل في تقديم خطاب الضمان.. والحكومة في كل ذلك تنتظر وتنتظر عملا بمبدأ "خليك ورا الكداب.." يا خسارة يا بلد!! انني أعلم جيدا ان وزير الاستثمار رجل ملتزم يقدس القوانين والقواعد والمبادئ حتي انه اضطر ان يلتزم الصمت في معركة عمر افندي لثلاثة اسابيع كاملة في انتظار ان يقول النائب العام كلمته ولم يقدر له احد ذلك الالتزام ولم ترحمه وسائل الاعلام ولا الرأي العام طوال تلك الفترة.. لكن يبدو انه اختار اخيرا ان يرضخ لضغوط الرأي العام فيقبل ما لم يكن ممكنا ان يقبله في ظروف عادية في سبيل ارضاء الرأي العام. لكن صفقة عمر افندي وتداعياتها التي لا تكاد تنتهي لا يتحملها وزير الاستثمار فحسب.. لكن تتحملها معه حكومة عاجزة سلبية تترك وزراءها يحترقون واحدا تلو الاخر دون اي مساندة او دعم. فالفشل يتحمله الوزير والنجاح تشاركه فيه الحكومة، تماما كما حدث في التصفيق الذي حاز عليه محيي الدين في مجلس الشعب واعتبره كثيرون نجاحا حكوميا مشتركا. اما الاعلام الذي قاد الرأي العام الي اتجاهات متناقضة فهو ايضا شريك اساسي في الكثير من اخطاء الوضع الراهن.. ورغم خلافنا هنا مع وزارة الاستثمار حول الصفقة والتقييم وطريقة البيع فإن كسر القواعد وتهديد سمعة الاستثمار في مصر وجديته ليس هو الحل لمجرد ارضاء رأي عام غاضب ومشكك يحتاج كثيرا الي التنوير. ان انتظار الحنش - يأتي أو لا يأتي - هو اسوأ مثال علي ضعف الحكومة وتراجعها .. فالقضية ليست مليارا اضافيا في خزانة الدولة.. القضية هي مبادئ وقواعد وقيم.. اذا اهملناها وضاعت.. فستضيع امامها مليارات اكثر.. هي ببساطة لن تأتي.