الآن.. وبعد أن هدأ غبار "المعركة" وهدأت النفوس بعد تدخل الرئيس مبارك واستجابته لأحد أهم مطالب الصحفيين بإلغاء الحبس في قضايا الطعن في الذمة المالية.. أصبح ممكنا مناقشة الأمور الخلافية بهذا الشأن بعيداً عن العصبية والتشنج. أول هذه الأمور المثيرة للجدل أن ترزية القوانين الذين قاموا ب "تفصيل" المشروع الحكومي لتعديلات مواد قانون العقوبات المتعلقة بقضايا النشر اطلقوا سحباً كثيفة من الدخان واشعلوا حرائق هائلة، لتبرير "الطبعة الأولي" السيئة من مشروعهم المعيب. وحاولوا ان يوهموا الرأي العام بأن اعتراض الصحفيين علي عقوبة الحبس في قضايا النشر نابع من رغبتهم في الحصول علي "امتياز" و"كأن علي رأسهم ريشة" كما تردد كثيراً. وهذا زعم غير صحيح.. لأن الصحفيين لا يطالبون بأن يكونوا فوق القانون، ولا يطالبون بإلغاء الحبس في أي جريمة يمكن أن يتورط أحدهم فيها. فالصحفي الذي يرتكب جريمة من الجرائم يجب ان يحاكم عليها شأنه شأن غيره من المواطنين، فليس معقولا مثلاً أن يتورط صحفي في جريمة قتل وتطالب نقابة الصحفيين بإلغاء عقوبة الحبس، أو حتي عقوبة الإعدام، ضده. المقصود هو قضايا النشر فقط. وقد قلنا هذا الكلام مئات المرات.. ومع ذلك فإن الترزية إياهم لا يملون من ترديد هذه الفرية. وها نحن نقول للمرة المليون إن إلغاء الحبس في قضايا النشر ليس ميزة شخصية للصحفي، وإنما هي ميزة مهنية، إذا جاز اعتبارها ميزة أصلاً. ولكي نقوم بتبسيط هذه الفكرة التي هي بسيطة أصلاً لكن البعض يحاولون تعقيدها فإن الأمر شبيه بمباراة كرة القدم، فإذا ارتكب أحد اللاعبين خطأ ضد زميل له فإن الحكم يوقع عليه عقوبة تتراوح بين الضربة الحرة المباشرة أو الطرد من الملعب مثلما حدث مع زين الدين زيدان في نهائي كأس العالم يوم الأحد الماضي. بينما لو ارتكب اللاعب نفس الخطأ في الشارع أي خارج المباراة وخارج أرض الملعب فإنه يقدم إلي محكمة الجنح أو محكمة الجنايات ويكون عرضة للحبس أو الغرامة. ولهذا فإن إلغاء الحبس في قضايا النشر ليس بدعة، بل إن كل دول العالم المتحضر فعلت ذلك منذ سنوات واستبدلت الغرامة بالحبس. وللحديث بقية