علي رغم التصحيح في الأسعار الذي حصل أخيراً والذي كان مفاجئاً جداً، نري ان الأساسيات الإيجابية التي دفعت بأسعار الذهب إلي الارتفاع القياسي لا تزال قائمة. فقد كان منتظراً من جرّاء الأداء القوي الذي حققته الأسعار، ان يبدأ المستثمرون بعملية جني الأرباح قوية قادته للانخفاض الملحوظ خلال الاسابيع القليلة الماضية. ضعف العرض .. وياتي في مقدمة عوامل دفع الاسعار للارتفاع بقاء العرض ضعيفاً. ففي أواخر التسعينات كان سعر الذهب 250 دولاراً للأونصة تقريباً. وبقي متدنياً بسبب عمليات التحوط القوية والبيع من قبل البنوك المركزية والأداء القياسي الذي حصل في أسواق الأسهم. هذه كلها حملت شركات عدة لوقف التنقيب وخفض الإنفاق علي هذا القطاع لأن الأسعار انحدرت إلي مستويات باتت فيها الاستثمارات الجديدة غير مبررة. ففي الفترة بين 1997 و2002، انخفضت نفقات البحث عن الذهب بحوالي 80 في المئة، ثم ارتفع هذا الرقم بعض الشيء منذ 2003. ولكن الوقت الطويل الذي يتطلبه الاكتشاف والتطوير والإنتاج يعني ان علينا ان نتوقع وصول قليل من الإنتاج الجديد إلي السوق في الأمد القصير. ارتفاع التكلفة .. يضاف إلي ذلك، ارتفاع تكلفة رأس المال والتشغيل فضلاً عن قوة عملات المنتجين، التي تعني ان ارتفاع السعر بالدولار لم يترجم إلي هوامش أرباح لمنتجي الذهب إلاّ أخيراً. فبين يناير 2003 وكانون الثاني 2005، بقي سعر الذهب من دون تغيير، ولم يدفع ذلك الي توسيع الإنتاج أو تطوير موارد جديدة. وحتي لو أرادت الشركات ان توسع إنتاجها، فقد باتت قناة التطوير ضعيفة، إذ بين 1999 و2004 تبين ان نسبة تتراوح فقط بين 12 و14 في المئة من الإنتاج السنوي كان يعوض عنها بواسطة البحث كل سنة، ما أدّي إلي قصور جسيم في تطوير حقائب عدد كبير من شركات الذهب. وقد لعبت البنوك المركزية كما هي العادة دوراً حاسماً في الاحتفاظ بالكميات المعروضة (لا تزال تحتفظ بنحو 30 ألف طن من الذهب أي ما يوازي 12 سنة من الإمدادات). وبينما المتوقع هو الاتجاه نحو التصريف الثابت (أي ما يقارب 500 طن) ان يستمر، هناك اعتقاد متزايد بأن عدداً لا بأس به من البنوك المركزية أصبح اكثر إيجابية تجاه الذهب في الأشهر الاثني عشر الماضية. فقد رفض البنك المركزي الألماني ان يبيع ذهباً في السنة الأولي، بموجب ما ينصّ عليه اتفاق البنك المركزي المجدّد، وانه متردّد بخصوص المبيعات في المستقبل. وصرّح الرئيس الروسي بوتين وكبار موظفي البنك المركزي عن نيتهم زيادة مقتنياتهم من الذهب إلي 10 في المئة من الاحتياط الدولي. كما ان حاكم بنك الاحتياطي في أفريقيا الجنوبية ذكر في مؤتمر أقيم في نوفمبر 2005 انه قد يضيف الذهب إلي احتياطه. إلي ذلك كشف بنك الأرجنتين المركزي (الذي كان في الواقع مشترياً للذهب سنة 2004) ان بنوكاً مركزية أخري في المنطقة قد تحذو حذوه. كما ان المتعاملين بالذهب في مجموعة مديري الاستثمار في "ميريل لينش" يفيدون انهم يتلقون عدداً متزايداً من الاستعلامات عن مشتريات ممكنة تقوم بها البنوك المركزية. عامل الطلب .. ومن العوامل الاخري ارتفاع الطلب، فقد أشار استقصاء أجري في أساسيات الطلب إلي ان سعر الذهب سيرتفع في المستقبل. ففي 2005 أعلن ان 80 %من مجموع الطلب صدر عن صناعة المجوهرات وشاهدت السوق نمواً قوياً، خصوصاً من قبل الهند (التي تشكّل أوسع سوق إذ نمت بمعدل 37 في المئة عن السنة التي سبقتها). لكن الطلب الشامل من صناعة المجوهرات لا يزال دون الذروة التي بلغها عام 1997، ما يدل علي انه لا يزال ثمة إمكانية بالنسبة إلي الطلب. وهناك توقع بأن يزداد الطلب معتمداً علي اقتصادَي الصين والهند اللذين ينموان بسرعة، إضافة إلي ما يتبع ذلك من نهضة الطبقة المتوسطة في هذين البلدين. ويرجح ان يستفيد الذهب من هذه العادات لا سيما الهند التي تعتبر المجوهرات الذهبية مخزناً للقيم اكثر مما هي الحال في العالم الغربي. توقع الارتفاع .. ويتوقع ان يستمر هذا الاتجاه علي رغم الزيادات المفاجئة بالسعر كما حدث في مطلع ديسمبر 2005 والتي يمكن ان تؤدي إلي تقلبات في الطلب. يضاف إلي ذلك، ان طرح صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب سندت بدورها الطلب الاستثماري علي هذا المعدن. فقد طرحت بنجاح في 2004، فمكّنت بالأساس مجلس الذهب العالمي بالاشتراك مع عدد من السلطات، اعتبار الذهب عملة وتسجيله اسهماً في عدد من بورصات العالم. وسيكون هناك مزيد من الطروح عام 2006، وبالتالي فإن صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب والقابلة للتداول في البورصة تساهم بواقع 89 طناً في الطلب الشامل. وسيكون لكل هذا تأثير مهم جداً علي الطلب الاستثماري للذهب. يظهر مما سبق ان أساسيات العرض والطلب لا تزال داعمة لسعر قوي للذهب. فالطلب الاستثماري المنيع علي هذا المعدن يدعو الي التفاؤل. وان منتجي الذهب، الذين تحمّلوا التكلفة المتصاعدة والمتسارعة التي نجمت عن ارتفاع أسعار النفط والموارد الأولية، يتوقعون ان تستقر التكاليف في 2006 وبالتالي يمكن ان يؤدي ارتفاع سعر الذهب إلي زيادة في هوامش الأرباح.