ما دام انتهاك الدستور وخرق القوانين لا يكلفان مرتكبهما - أيا كان موقعه - شيئاً يصبح الاستثناء قاعدة، ويصير الاستيلاء علي أموال الناس وإيذاؤها ربحاً، وكفاءة إدارية. ومع أن حكما قضائيا بعدم دستورية فرض "إتاوة" علي سيارات نقل الركاب بمحافظة الاسكندرية قد صدر من قبل حيث تم إلغاء "الكارتة" فلم تمض أسابيع علي تعيين اللواء عادل لبيب محافظا للبحيرة حتي فوجئ الأهالي بقيامه بفرض اثنين وعشرين إتاوة علي "الخدمات المحلية" بالمحافظة اطلق عليها اسم "الرسوم المحلية". هكذا تبدو الأحكام الدستورية العامة، كما لو كانت قد سنت ليتم انتهاكها - كقاعدة - علي أوسع نطاق.. وعلي المتضرر أن يلجأ - كحالة فردية وإن تكررت - للقضاء فإن أنصفته المحاكم (التي - لفراغها الشديد!! - يجب أن يتاح لها شيء تعمله) تكون قد أنصفته وحده.. ثم لا ضرر علي مرتكب الانتهاك الدستوري أو القانوني ولا ضرار ويكون أيضا قد أفلت بما غنم فلا يوجد "أثر رجعي للقوانين" والأحكام في الغالب، نظراً ل "استقلالية القضاء" عندنا. لا ضريبة إلا بقانون طبقا لنص المادة 119 من الدستور فإن "انشاء الضرائب العامة وتعديلها أو الغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفي أحداً من أدائها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم إلا في حدود القانون. إلا أن هذا النص الدستوري - الذي لا لبس فيه - لم يردع المحافظ، الذي حصل علي تأهيله كضابط شرطة بدراسة الدستور والقوانين والتعهد بالالتزام بها وفرضها، ولم يردع حكمه المحلي عن خرق الدستور وفرض اتاوات دون سند من قانون علي سكان المحافظة بأكملها! والأصل ان ما ينفقه الحكم المحلي علي إدارة شئون اقليمية "المحافظة" هو جزء من النفقات العامة للدولة، أي جزء من الميزانية العامة للدولة التي يتم تحصيل ايراداتها الضريبية طبقا للقانون، إلا أنه عندما يري أي محافظ انه "رئيس الجمهورية هنا، ووزير الداخلية هنا، ووزير المالية هنا".. فإنه ينسي أو يتجاهل أن هناك "دستور دولة هنا.. وقوانين دولة هنا أيضا" وان وزير المالية نفسه لا يستطيع فرض رسم أو ضريبة إلا بقانون، والأهم من كل ذلك انه لا يوجد مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات - هنا أيضا - أمام القانون.. والطبيعي أن أحداً - أيا كان 0 ليس فوق القانون. الضرائب والرسوم والعدالة الاجتماعية وإذا كان فرض الضرائب لا يتم إلا بقانون، فان هذا لا يعني - بالضرورة - ان تلك الضرائب تتسم بالعدالة في توزيع أعبائها علي جميع المواطنين، كما لا يعني - بالضرورة - ايضا، أن الانفاق الحكومي لحصيلتها يتسم بالعدالة في توزيعه عليهم، فشواهد الواقع كثيرة ومؤكدة علي ظلم بشع في تحصيلها، وظلم أكبر في توزيعها - اثناء الانفاق العام من جانب الدولة - علي طبقات المجتمع المختلفة وفئاته. ان استيفاء الشكل بضرورة الالتزام بالقانون في فرض الضرائب والرسوم، قد وضع - مع التطور الاجتماعي والسياسي - بعض القيود علي أوجه الظلم الاجتماعي في فرض الضرائب باعتبار الضرائب احدي أهم أدوات توزيع الدخل القومي علي فئات المجتمع. وبشيء من التبسيط فالضرائب نوعان رئيسيان أولهما: ضرائب مباشرة تفرض مباشرة علي الدخل والثروة وبالتالي فإن امكانية تحقيق العدالة في توزيع اعبائها الاجتماعية علي المواطنين تكون أكبر واكثر وضوحا أما الضرائب غير المباشرة فيتم تحميلها علي السلع والخدمات وبالتالي فان مجرد شراء السلعة "التي غالبا ما تكون ضرورية أو لابديل لها" أو الحصول علي الخدمة، يعني سداداً فوريا لنوع من الضريبة يسمي ضريبة غير مباشرة وتأخذ شكل (الرسوم والدمغات وضريبة المبيعات والطوابع.. الخ) وبذلك يتم تحميل تلك الرسوم بشكل غير مباشر - ولا مفر منه - علي دخل غالبية المواطنين. والمؤكد أن الضرائب غير المباشرة تنطوي علي ظلم اجتماعي بين للطبقات الاجتماعية الأقل دخلاً، ذلك أنه بينما تتساوي الرؤوس في سدادها عند شراء سلعة أو الحصول علي خدمة - هي من صميم واجب الدولة وسبق تمويلها - فإن التفاوت الرهيب بين المواطنين في الثروات والدخول، يجعل هذه الضريبة عالية جدا إذا نسبت إلي دخول الفقراء أو الأقل دخلاًَ، بينما لا تمثل شيئا يذكر من ثروات أو دخول أصحاب الثروات والدخول الهائلة، وهنا يجب تصحيح وهم شائع كرسته وسائل "الاعلام" والدعاية الرسمية، فالرسوم ليست ثمناً للخدمة، ولكنها - إذا كانت بقانون - ضريبة غير مباشرة تفرض علي من يحصل علي الخدمة.. هذا وتتراوح الضرائب غير المباشرة (الرسوم) حول نسبة 70% من اجمالي حصيلة الضرائب المفروضة علي الشعب المصري لسنوات طويلة متواصلة. إتاوات.. وخرق للدستور وإستيلاء علي الأموال بالإكراه فالضرائب والرسوم هي ما تقوم وزارة المالية بتحصيله من خلال مأموريات الضرائب المختلفة، ومن هنا فلاحق لأي محافظة أو إدارة حكومية - أيا كانت - أو نقابة، أن تفرض - بخلاف القانون - رسما