منذ أيام انعقد في شيكاغو مؤتمر ضخم لصناعة التكنولوجيا الحيوية ضم 18 ألفا من العلماء ورجال الأعمال والممولين المرتبطين بهذه الصناعة.. وتري مجلة "الإيكونوميست" أن هذا المؤتمر علامة من علامات ازدهار شركات صناعة التكنولوجيا الحيوية وهي شركات زادت قيمتها السوقية في بورصة نيويورك خلال السنوات العشر الأخيرة إلي عشرة أضعاف ما كانت عليه لتصبح نحو 500 مليار دولار.. ويقدر بنك الاستثمار بوريل اند كومباني حجم الاستثمارات في صناعة التكنولوجيا الحيوية خلال تلك الفترة بنحو 350 مليار دولار، أما الإيرادات العالمية لهذه الصناعة فقد ارتفعت من 23 مليار دولار عام 2000 لتصبح 50 مليار دولار في عام 2005. ولكن ماذا عن الأرباح؟ الحقيقة أن أرباح هذه الصناعة لاتزال محدودة للغاية ولا تتجاوز في مجملها ال 3 مليارات دولار.. صحيح أن بعض الشركات مثل شركة جينتيك وشركة أمجين الأمريكيتين اللتين تمثلان معا ثلث حجم صناعة التكنولوجيا الحيوية في الولاياتالمتحدة قد حققتا أرباحا متميزة ولكن باقي الشركات تبيع دون أرباح صافية تقريبا، بل إن معظمها يحقق خسائر ويقول ديفيد باير رئيس شركة أمجين إن صناعة التكنولوجيا الحيوية حققت خسائر تقدر بنحو 100 مليار دولار منذ نشأة هذه الصناعة في سبعينيات القرن الماضي. ويري جاري بيزانو الأستاذ في كلية التجارة جامعة هارفارد أن شركات التكنولوجيا الحيوية بحاجة إلي أن تعمل بشكل مختلف جذريا عن الشكل الذي تعمل به الاَن.. فمن المعلوم أن أية صناعة تنتج سلعة وأن العلم يوظف لخدمة إنتاج هذه السلعة ولكن شركات التكنولوجيا الحيوية كلها شركات ناشئة لم تصل بعد إلا في حالات نادرة إلي مرحلة إنتاج سلع للبيع. وعموما فإن الكثيرين متفائلون بمستقبل شركات صناعة التكنولوجيا الحيوية خصوصا بعد التوصل إلي خريطة الجينات البشرية "الجينوم" وفك شفراتها فهناك من يتحدث عن أدوية تتعامل مع الجينات وأحيانا عن إمكانية إنتاج الدواء علي أساس شخصي أي حسب جينات كل شخص.. وهناك شركات مثل مونسانتو وداو ودوبونت بدأت استخدام التكنولوجيا الحيوية من أجل إنتاج إنزيمات أفضل وتتعاون مع شركات الأغذية لإنتاج زيوت أكثر صحية وأطعمة ألذ وأشهي. ولكن المشكلة أنه بعد انفجار فقاعة شركات التكنولوجيا الحيوية في البورصة منذ سنوات قليلة أصبح من الصعب الحصول علي أموال لتمويل أبحاث التكنولوجيا الحيوية.. ويتوقع الخبراء أن تشهد السنوات القادمة عملية غربلة لشركات التكنولوجيا الحيوية.. وإذا كان يوجد الاَن نحو 1500 شركة من هذا النوع "نحو 400 منها مسجلة في البورصة" فإن أكثر من نصف هذه الشركات سوف يختفي من الساحة إما بالإفلاس أو عن طريق الاندماج. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الشريك المحتمل أو المشتري المحتمل لشركات التكنولوجيا الحيوية هو شركات الأدوية.. فشركات الأدوية وإن كانت تربح الاَن أرباحا ضخمة إلا أن أرباحها مهددة في المستقبل بسبب تراجع قدرتها علي ابتكار أدوية جديدة وانتهاء مدة تراخيص الأدوية الحالية ذات الإيرادات العالية ويبقي التزاوج بين شركات الأدوية وشركات التكنولوجيا الحيوية هو الأمل الباقي للطرفين في البقاء علي قيد الحياة وتحقيق الأرباح. وقد بدأت شركات الأدوية بالفعل في شراء شركات التكنولوجيا الحيوية ويقول تقرير صادر عن ايرنست اند يونج للاستشارات إن عام 2005 شهد حركة قوية في هذا الاتجاه سواء في أوروبا أو الولاياتالمتحدة.. وفي أوروبا وحدها حدثت 66 صفقة اندماج كان أحد طرفيها شركة من شركات التكنولوجيا الحيوية. ومنذ أيام نجحت شركة نوفارتيس في شراء شركة التكنولوجيا الحيوية تشيرون مقابل 4.5 مليار دولار وهي شركة معروفة بالعمل في أبحاث الأدوية المعالجة للشركات واختبارات الدم. ويؤكد جاري بيزانو أستاذ هارفارد سالف الذكر أن التقارب بين شركات الأدوية وشركات التكنولوجيا الحيوية هو أحد ملامح المستقبل القريب، ويري أن هذا سيحل مشكلة تمويل شركات التكنولوجيا الحيوية التي أصبحت صناديق رأس المال المخاطر تمتنع عن تمويلها لأن هذه الصناديق تريد نتائج مربحة وسريعة في غضون 3 5 سنوات في حين أن أبحاث شركات التكنولوجيا الحيوية بطبيعتها لا تثمر قبل مرور 15 أو 20 سنة. وعموما فإن بنك الاستثمار بوريل يقدر أن شركات التكنولوجيا الحيوية ليست محرومة من التمويل كما هو متصور ويري أن هذه الشركات سوف تجتذب في عام 2006 الحالي نحو 35 مليار دولار منها 10 مليارات ستأتي من التحالف أو التشارك مع شركات الأدوية والباقي سوف يأتي من أسواق المال خصوصا أن هناك في البورصات دائما من يريدون المراهنة بأموالهم علي الأسهم عالية المخاطر طمعا في أن تحقق لهم ذات يوم ما يرجونه من أرباح.