مثل سمك دجلة "المسجوف" الذي يشوي علي صهد النار في كازينات بغداد الممتدة علي شواطئ النهر الخالد.. النار تشوي كل الطوائف المتطاحنة في العراق.. حتي قوات الاحتلال بقدها وقديدها لا تسلم من لسع اللهب الذي أشعلته بغزوتها الجائرة وأخطائها الثقال..! ورموز الطوائف الذين يتفاوضون منذ 100 يوم داخل محمية المنطقة الخضراء الحصينة في قلب بغداد.. يمسكون برقاب بعضهم حول اقتسام السلطة، وترشيح اسم رئيس الحكومة الجديدة.. أي منهم يغادر محمية التفاوض إلي عرض الشارع العراقي، هو في خطر يتفجر.. الكل في العراق ليس في مأمن من خطر الموت غفوة عين! لا أحد يمتلك الشارع العراقي أو يسيطر عليه.. حتي نقاط التفتيش التي تحرسها القوات العراقية في شوارع بغداد لا تفتش أحدا.. تري نقطة التفتيش عند مدخل مدينة الصدر الشيعية في ضواحي بغداد، تقتحمها سيارات "البيك أب" المحملة بجنود جيش المهدي الذي يقوده مقتدي الصدر، ورشاشاتهم الأمريكية طراز "47 - AK " مشرعة بأيديهم.. قد يحيي احدهم حراس نقطة التفتيش بقبضة مرفوعة، ويرد الحراس التحية بكفين مرتشعتين.. بينما تندفع السيارة بسرعة الاعصار! منذ تفجير المزار الشيعي في سامراء، 22 فبراير الماضي، والموت كالمنشار الكهربائي علي أعناق السنة والشيعة معا.. طارت رقاب الألوف من الطرفين، ومازالت تتطاير! وكل طرف يزايد في عدد قتلي الآخر، وكأنهما في مزاد العدم! ويثير المزاد العجب شهية أبو مصعب الزرقاوي فيدخل إليه بكل قواه القاصفة! ورغم كل ذلك ثمة أمارات علي أن النهر الاساسي للمقاتلين علي جانبي السنة والشيعة يتحاشي الاندفاع في حرب شاملة، الآن علي الأقل! بعضهم يقول: "لا نريده صراعا طائفيا مستمرا"..لكن هذا لا يفي بتحقيق الأمل في تجنيب العراق حربا أهلية مستمرة ومشتعلة الأوار! بل إن منهم من يعترف: "ما نخوضه الآن هي الحرب الأهلية بعينها"! وهم بذلك يتفقون مع تحليلات بعض ضباط المخابرات العسكرية في العراق حين تقرر: "إن فرق الموت التي تجوب شوارع مدن العراق هي طلائع حرب أهلية تستجيب لاستنفارات أبو مصعب الزرقاوي وأهدافه المدمرة"! بينما يري العقلاء من محاربي الطوائف أن العدو الأعظم ليس أبناء البلد، وإنما قوات الاحتلال.. هي الأولي بالعداء والمقاومة المسلحة حتي ترحل! وفي توصيف للقتال الضاري الجاري، يري حسني علي كمال وكيل وزارة الداخلية العراقية أنها "حرب أهلية غير معلنة".. وفي رؤية ضابط مخابرات أمريكي عالي الرتبة في بغداد: "العراقيون مجتمع شديد التعقيد.. وما يجري الآن مجرد صراع طائفي غير ذاتي الاستمرار"!. لكن القتال يزداد قسودة وضراوة.. - والقتلي بالعشرات 79 قتيلا في تفجير مسجد براثا الشيعي ببغداد نهار الجمعة الماضي والجثث مشوهة وممثل بها.. والتمييز بين قتلي الصراع الطائفي وقتلي عمليات الزرقاوي اختلطت بصماته حتي استحال! وأسوأ عمليات القتل تقوم بها فرق سرية يصفها مقاتلو الطوائف بأنها عناصر متمردة (rogue elements).. والبعض يرجع أنهم من المرتزقة الذين يعملون لحسابهم الخاص! ومعلومات المخابرات المتوافرة عنهم تؤكد أنهم يعيشون في مناطق السنة.. وبعضهم ينتمي إلي جماعة أنصار السنة الذين تم ضبطهم في مدينة اللطيفية منذ أكثر من عام.. وعثر في بيوتهم علي أدوات تعذيب مخيفة.. وغرف اعدام.. وكاميرات فيديو تصور عمليات الاعدام في أفلام! أوحال الحرب الأهلية! ليس السنة وحدهم الشيعة أيضا!.. الأحد 26 مارس الماضي وفي مبني يسكنه الشيعة بضواحي بغداد تمت مهاجمته.. تبين أنه مركز لايواء المخطوفين، ومقر لتشكيل ارهابي تنطلق منه فرق الاعدام.. تصدي سكان المبني لقوات الأمن العراقي المهاجمة.. قتل منهم 16 مدافعا.. تحت المبني مسجد صغير.. ادعي الشيعة من سكان المبني أن القتلي كانوا يصلون في المسجد بسلام.. لكن القوات العراقية الخاصة التي هاجمتهم شهدوا بأنهم ماتوا وفي أيديهم أسلحتهم الرشاشة، وعلي سجاجيد المسجد من حولهم ألوف من طلقات الرصاص الفارغة! وكانت البلاغات ضد مستخدمي المسجد قد تجاوزت 60 بلاغا تستنجد بالسلطات لوقف عمليات الخطف والقتل التي يرتكبها شاغلو بيت الله! وكل ما سبق يضيف صدقية لمقولة لأيا علاوي رئيس الوزراء العراقي السابق، عندما سألوه تعليقا علي القتال الدائر في العراق.. أجاب: "العراق يغوص حتي أذنيه في أوحال حرب أهلية"! يختلف معه في الرأي والرؤية لواء أبو محمد أحد قادة الجيش العراقي في عهد صدام وواضع استراتيجية المقاومة للبعثيين الآن.. بكلماته: أبدا.. الحرب الأهلية قد تنشب غدا.. أو بعد عام من الآن.. وهي تتوقف علي الشرر الذي يطلقه هؤلاء الذين يريدون اشعالها".. ويزيد: "ما الذي يجنيه العراق من حرب طائفية، في الوقت الذي يجثم فيه الاحتلال الأمريكي فوق صدر الوطن؟ إن الشيعة جزء لايتجزأ من المقاومة العراقية ضد الاحتلال.. وعلينا أن نوحد جهودنا وصفوفنا جميعا ضد الغزاة"!