خرجت صحيفة "تشاينا انداستري نيوز" وهي صحيفة يومية حكومية رصينة بمانشيت في صفحتها الأولي في ديسمبر الماضي يقول "كان الله في عون الصين" وكانت الصحيفة قد شنت حملة استمرت أربعة شهور نشرت خلالها سلسلة من التقارير حول قيام الشركات الأجنبية بشراء شركات الصناعات الثقيلة الصينية أو حصص منها.. وقالت الصحيفة علي لسان الخبراء إن استمرار هذه العملية سيجعل الصين تفقد أهم صناعاتها ذات القيمة المضافة العالية التي بناها كفاح الأجيال المتعاقبة منذ انتصار الشيوعية في عام 1949. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الصين نادرا ما شهدت مثل هذه الشكوك والهواجس التي شهدتها في الأشهر الأخيرة حول تأثير الاستثمارات الأجنبية علي مسيرة الإصلاح الاقتصادي. وأثناء اجتماع البرلمان الصيني في بدايات مارس الماضي قال رئيس مكتب الاحصاء الوطني إنه لو استمرت هذه الاندماجات والاكتسابات الخبيثة التي تقوم بها الشركات الأجنبية فإن الماركات الصينية سوف تختفي كما ستختفي أيضا قدرة الصين الذاتية علي الابتكار.. ووجه الاتحاد الصيني للصناعة والتجارة وهو جماعة ضغط مهمة يدعمها الحزب الشيوعي الحاكم نداء إلي البرلمان دعاه فيه إلي اتخاذ إجراءات لحماية الأمن القومي الاقتصادي بالحد من شراء الأجانب للشركات الصينية. وربما كانت مثل هذه الانتقادات أمرا شائعا وعاديا في أي بلد ولكنها في بلد مثل الصين لابد أن تكون موجهة من جانب الحزب الشيوعي الحاكم.. ونحن نذكر أن الحملة الإعلامية التي سبقت انضمام الصين لعضوية منظمة التجارة العالمية عام 2001 ركزت علي أن مزايا العضوية ستكون أكبر من عيوبها أو سلبياتها.. وفي التسعينيات لم يتحدث الإعلام كثيرا عن فقدان عشرات الملايين من العمال أعمالهم اَنذاك في موجة الإغلاق والخصخصة التي شملت العديد من الشركات الحكومية ولم تنتقد هذه الموجة إلا في عام 2004 عندما سمح الحزب الشيوعي بذلك.. كذلك فإن الحملة علي تملك الأجانب للشركات الصينية لم تكثف إلا في العام الماضي عندما نشرت بعض الصحف انتقادات مباشرة لبيع حصص من البنوك المملوكة للدولة إلي البنوك الأجنبية. وقالت الانتقادات إن ما تم بيعه كان مقوما بأقل من قيمته الحقيقية كثيرا خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار ما أنفقته الدولة علي تلك البنوك قبل بيعها لعلاج مشكلة القروض المتعثرة والمعدمة.. وذكرت الانتقادات أيضا أن السماح ببيع 25% من هذه البنوك للأجانب سيضع النظام المصرفي الصيني تحت رحمة هؤلاء الأجانب. ومن المثير للدهشة أن يحدث مثل هذا التذمر في واحد من أكثر اقتصادات العالم انفتاحا علي الاَخرين خصوصا أن التذمر لم يفرق بين الإصلاح الاقتصادي وبين الانفتاح أمام المستثمرين الأجانب.. وقد كانت هناك كما تقول مجلة "الإيكونوميست" إشارات مختلطة من جانب الحكومة في الرد علي هذه الانتقادات.. ففيما يخص الشركات الحكومية وضعت قيودا علي تملك الأجانب لها ولكنها قيود لا تصل إلي حد المنع.. أما الشركات الخاصة فقد تركت مفتوحة للتملك الأجنبي. وفي الأشهر الأخيرة أيضا شرع قادة الصين يتحدثون عن حاجة الصين إلي الابتكار المستقل في مجال التكنولوجيا وتقليل اعتمادها علي الخبرة الأجنبية، ومن الثمار الجانبية لهذه الأحاديث البيان الوزاري الذي صدر في مارس الماضي مؤكدا عزم الصين علي الاعتماد علي ما لديها من تكنولوجيا وطنية في تشييد خط السكك الحديدية السريع بين بكين وشنغهاي وبين شنغهاي وهانجزهو.. وقد كانت الشركات الأجنبية من ألمانيا واليابان وفرنسا تتصارع لسنوات من أجل الفوز بهذه المشروعات. وعلي جانب اَخر حرصت القيادة الصينية علي أن تكون أمام البرلمان استمرار عملية الإصلاح الاقتصادي رغم اَلامها لأن الإصلاح لن يكون له بديل واستمر المسئولون في الإشادة بالاستثمارات الأجنبية كقاطرة للنمو الاقتصادي خاصة في المدن الكبري حيث الاستقرار أمر ضروري لاستمرار سيطرة الحزب الشيوعي. ويبدو أن هناك صراعا حقيقيا بين دعاة استمرار الإصلاح الاقتصادي وبين دعاة التوقف للاهتمام بالفئات المهمشة من الشعب الصيني التي لم يكن لها نصيب في ثمار النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته البلاد خلال العشرين سنة الأخيرة. ومن الواضح أن القيادة الحالية للصين تتحدث عن ضرورة إعطاء اهتمام أكبر للمهمشين ولو كان ذلك علي حساب معدلات النمو العالية.. ولكن دعاة مواصلة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح علي العالم الخارجي لا يزال لهم صوت مسموع ولا يمكن التكهن بالمدي الذي سوف تستمر فيه حيرة الصيرة بين دعاة الإصلاح ودعاة الاهتمام بالمهمشين ولا كيف سيمكن حل الخلافات القائمة بين الطرفين في مختلف مراكز صنع القرار في الصين.