ما الذي يمكن للعرب فعله الآن بعد أن أثبتت القمم العربية فشلها وأكدت أنه لن يكون في مقدورها وقف الطوفان الذي أحدثته إدارة بوش في المنطقة كلها؟ طوفان من شأنه أن يغرق الجميع ويوقعها في دوامة التقسيم والتفتيت وهو مخطط إسرائيل الذي تعمل من أجل تحقيقه منذ سنوات حتي تؤول إليها قيادة المنطقة ويسهل السيطرة عليها. خطة أولمرت.... لا شك أن إدارة بوش اليوم تقوم بكل الإجراءات التي تؤدي في النهاية إلي تحقيق حلم إسرائيل لكبري ولهذا سارعت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في أعقاب إجراء انتخابات الكنيست السابعة عشر وفوز كاديما بأكبر عدد من المقاعد مقارنة بالأحزاب الأخري سارعت ولمحت باحتمال دعم أمريكا لخطة الانسحاب الأحادي التي أعلن عنها ايهود أولمرت عندما تحدث في التاسع من الشهر الماضي عن رسم حدود نهائية لإسرائيل بحلول سنة 2010 موضحا أنها ستشمل في الضفة حدود القدس بمحيطها ومستوطنات غوش عتصبيون وآرئيل، ومعالي أدوميم ومنطقة أمنية في غور الأردن وهو ما يعني ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن والقدس لتكون عاصمة موحدة لإسرائيل. أولمرت ورسالة الضمانات ومن المؤكد أن إدارة بوش تتفق قلبا وقالبا مع أولمرت وتبارك خطته هذه والتي تعد امتداداً لخطة شارون وترجمة لرسالة الضمانات التي كان بوش قد منحها لشارون في 14 إبريل سنة 2004 عندما اجتمع به في الولاياتالمتحدة وقتئذ ومن ثم عمد شارون في أعقابها إلي فك الارتباط الأحادي في غزة وجاء أولمرت اليوم ليكمل الخطة بفك ارتباط آخر في الضفة بل إن حزب كاديما الذي أعلنه شارون منذ أربعة أشهر قد تم تأسيسه وفق هذا الهدف وبالاتفاق مع إدارة بوش التي ستتولي فيما بعد اقناع الأوروبيين بالمشروع كذلك اقناع العرب عندما يكتمل. محاصرة حماس.. امعانا في دعم إسرائيل سارعت إدارة بوش لتؤكد من جديد عدم التعامل مع حماس ما لم تعترف بحق إسرائيل في الوجود وسارعت اللجنة الرباعية التي تشكل أمريكا أحد أطرافها فدعت حماس إلي الالتزام بمبدأ اللاعنف وكأن أمريكا بذلك تدعم إسرائيل في إجراءات الاحادية التي تعني علي أرض الواقع خوض حرب مفتوحة من أجل اقرار ترسيم هذه الحدود بل وفي الوقت الذي كان من المفروض فيه للجنة الرباعية أن تمنح حماس فرصة بعد تشكيلها للحكومة الفلسطينية وأن تعمد إلي مطالبة إسرائيل باحترام الاتفاقيات الموقعة التي لم تطبق منها شيئا حتي الآن فعلت العكس وحاصرت حماس بالضغوط محذرة من أن المساعدات المالية للفلسطينيين ستتأخر بدعوي عدم التزام حماس بشروط الرباعية التي كانت قد طالبت بها في يناير الماضي ويتصدرها اعتراف حماس بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة ونبذ العنف! حماس علي حق تدرك حماس أن من الضروري بمكان تفادي الوقوع في الاخطاء التي أدت إلي تردي وضع القضية الفلسطينية، وتدرك أن نقطة الانطلاق يجب أن تبدأ من الحق الفلسطيني وليس من المطالب الاسرائيلية وأنها عندما تطرح استعدادها للتعامل مع العملية السياسية فإن ذلك يأتي من منطلق واضح الاساسي فيه هو الحق الفلسطيني ولا شك أن حماس علي حق حتي الآن عندما تتمسك بعدم الاعتراف بإسرائيل لأن الاعتراف بها اعتراف بالاحتلال وممارساته لاسيما أن عرفات اعترف بها فنال جزاء سنمار وجري حصاره ثم اغتياله بعد ذلك كما أن محمود عباس اعترف بها فلم تقدم له أي شيء في المقابل بل علي العكس غيبته كشريك لم تتفاوض معه وصعدت في الوقت نفسه من ممارساتها ضد الفلسطينيين اغتيالا واعتقالا وتدميرا واغلاقا وحصارا وقضما للأراضي ويكفي مشروع اولمرت الديموجرافي الذي يعد تكرارا للفصل العنصري في جنوب أفريقيا! مشروع تغييب الفلسطينيين...؟ علي الرغم من الجولة العربية الواسعة التي قامت بها حماس خلال الشهرين الماضيين ومناقشتها للموقف السياسي لم تكن ردة الفعل العربي تتناغم مع تطلعات حماس وجاءت قمة الخرطوم (28 29 مارس الماضي) لتزيد الطين بلة، فلقد تطلع ساسة حماس إلي أن تتبني القمة موقفا واضحا من القضية الفلسطينية برفع سقفها إلي حد يتم فيه مطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي باعتراف واضح بحقوق الفلسطينيين والتزام واضح تجاهها لاسيما بعد أن تجاهلت إسرائيل مبادرة السلام التي كانت السعودية قد طرحتها في قمة بيروت سنة 2002 ومضت في اجتياح الأراضي وكثفت من سياسة الاغتيالات والحصار والاغلاق وها هي اليوم تحاول استباق المفاوضات علي قضايا الوضع النهائي من خلال مشروع (أولمرت) الرامي إلي رسم الحدود الاسرائيلية من جانب واحد بما يلبي اطماعها التوسعية ويجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وتظل إسرائيل حريصة علي التشاور مع أمريكا في كل مخططاتها وبالتالي لن تأخذ رأي الفلسطينيين في الاعتبار إذ إن المشروع في النهاية يرتكز علي قاعدة تغييب الفلسطينيين وكأن لا وجود لهم.