وفقا لروايته وقصص عشرات من رجال الأعمال، لم يكن فرانز سيديلماير هو رجل الأعمال الوحيد الذي تعرض إلي الغش من قبل الكرملين إبان عقد التسعينيات الذهبي في روسيا إلا أنه كان أول من تحلي بهذا الإصرار لاسترداد الأموال التي خسرها نتيجة احتيال السلطات الروسية عليه. ففي حكم لا يمكن وصفه بالحكم المفاجئ أصدرت محكمة ألمانية في كولونيا الشهر الماضي حكما ببيع مجمع سكني روسي قيمته 40 مليون دولار في كولونيا أو "كولون" وهي المدينة العريقة المعروفة بتصنيع الكولونيا الشهيرة للرجال. ويأتي قرار المحكمة بعد أحد عشر عاما من مصادرة الحكومة الروسية أكثر من 3 ملايين من أصول سيديلماير بعدما أغلقت أعماله في مدينة سان بطرسبرج والاستيلاء علي مقاره كمنزل اَل فيما بعد إلي الرئيس السابق بوريس يلتسين، وإن كان الأمر يدل علي شيء فهو يوضح بكل بساطة مدي الفساد الذي تمتعت به الحكومة السابقة التي حررت الاتحاد السوفييتي أو بالأحري روسيا من براثن الشيوعية إلا أنها أفرزت طبقة من أصحاب الكسب السريع. ومع خلفية سيديلماير الأمنية وعمله كجاسوس سابق استخدم كافة اتصالاته وحيله للنيل من الحكومة الروسية وإعادة أمواله المصادرة وخسائره التي تكبدها، فطرق أبواب أكثر من محكمة لإثبات حقه والحجز علي أية أموال روسية لاستيفاء حقوقه التي يدعيها والتي أقرت بها أكثر من محكمة ألمانية إلا أن المماطلة الروسية بحجة تمتع هذه الحقوق بالحماية الدبلوماسية تارة أو باستخدام حيل قانونية تارة أخري عطلت الرجل عن الحصول علي تعويضاته بالصورة السريعة. وخاض الخبير الأمني القديم معركة قضائية طويلة، فبعد أن استحوذ في نوفمبر 1991 أي في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي مباشرة علي مجمع إداري في سان بطرسبرج فوجئ بطرده من المبني من جانب السلطات الروسية فلجأ في يناير 1996 إلي التحكيم ورفع قضيته في ستوكهولم مطالبا ب 6.3 مليون دولار كتعويض عن الأضرار التي لحقت به. وقضت المحكمة بأن يحصل سيديلماير علي مليونين و350 ألف دولار تعويضا عن الأضرار إضافة إلي 10% سنويا كفوائد. وفي فبراير 2002 بدأ سيديلماير معركته لتنفيذ الحكم الذي بات نهائيا وكان عليه ليفعل ذلك أن ينجح في مصادرة أي أموال أو موارد، فرفع قضية ضد شركة لوفتهانزا الألمانية للطيران مطالبا أن تمتنع عن دفع قيمة الرسوم التي تتقاضاها روسيا من رحلات الشركة إليها إلا أنه لم ينجح في تحقيق ذلك.. فعاد رجل الأعمال مطالبا بحجز ضريبة القيمة المضافة التي تستحقها روسيا، إلا أن المحكمة لم تجبه إلي مطلبه ولم ييأس فرانز.. ففي مارس 2003 حاول مجددا الحجز علي عقار تمتلكه روسيا في كولونيا ولم يكتف بذلك فرفع قضية أخري في ابريل 2005 محاولا مصادرة أصول روسيا في معرض هانوفر التجاري الدولي. وفي نهاية المطاف وبعد 11 عاما من المثابرة والإصرار أمرت محكمة في كولونيا في فبراير 2006 بالترتيب لبيع عقار روسي لصالح سيديلماير واستخدمت روسيا كافة الطرق الاحتيالية كما يزعم سويديلماير كأن تدعي أن المالك المسجل هو الاتحاد السوفييتي في حين أن القضية مسجلة باسم الاتحاد الروسي وظل يتابع العقار المسجل لصالح الاتحاد السوفييتي حتي جاءت في نهاية 2002 عندما أصبح العقار ملكا للاتحاد الروسي. كما سعت روسيا إلي تهديده مثل التلويح بقيامه بأعمال غسل أموال إلا أنه لم يتهم أمام أي محكمة روسية، فلو كانت قد فعلت ذلك لكان الأمر سيبدو واضحا للعيان أنه نوع من لي الذراع وتكييل التهم الكيدية، لذلك فقد كانت اللعبة أو الحيلة مفضوحة لم يتم اللجوء إليها. كما قال كما يدعي إنه تعرض إلي التهديد بالموت والتعرض إلي العواقب الوخيمة وهو الاَن يستطيع أن يتحصل شهريا علي 24 ألف يورو قيمة الإيجار التي تدفع للاجئين الروس المقيمين في العقار حتي يتم بيعه. وعينت المحكمة وصيا علي العقار حتي يتم البت نهائيا في مسألة البيع، كما ستقرر المحكمة كيفية دفع المتحصلات أو حقوق سويديلماير التي تصل إلي 5 ملايين دولار مع الفوائد. وتخشي الحكومة الروسية أن يسلك رجال أعمال غربيون نفس الطريق ويحصلون علي تعويضات قد تصل إلي المليارات نتيجة لمصادرة أصول حصلوا عليها في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي وما تبعه من عصر ذهبي للاتحاد الروسي ساهم في جذب مئات المستثمرين الذين وقع بعضهم ضحية للفساد والاحتيالات التي استشرت في روسيا في أعقاب فترة الفوضي التي شهدتها بعد سقوط القوي العظمي الثانية في العالم. كما تتخوف الحكومة من أن كل الحجج التي تساق من كون الأصول الموجودة في الخارج أو حتي في الداخل كانت مملوكة للاتحاد السوفييتي السابق الذي لم يعد له كيان قانوني أو حتي التحجج بالحصانة الدبلوماسية أو باستخدام حيل قانونية أخري لا تمثل غطاء أو مظلة للتملص من دفع مبالغ كبيرة تعويضا لكثير من رجال أعمال وقعوا ضحية للاتحاد الروسي. وسيكشف التاريخ وحده حجم الفساد الذي تلا سقوط الاتحاد السوفييتي وما أعقب ذلك من جهود بذلت لتقويض العملاق السوفييتي عن فتح الأبواب علي مصاريعها لاستشراء الرأسمالية المتوحشة، كما تعكس هذه القضايا الوجه القبيح لبعض المسئولين الذين حرصوا فقط علي حصد الثروات والحصول علي أكبر ربح ممكن.