في الوقت الذي زار فيه الرئيس الامريكي "جورج بوش" الهند واقر بحقها في بناء مفاعلات نووية كمطلب عادل للتوسع في انتاج الطاقة وتقليل الواردات البترولية في ثاني اكبر سوق في آسيا بعد الصين والتي تأتي بدورها في المرتبة الاولي وسارعت بإعلانه ودون الحاجة الي المباركة الامريكية عن عزمها بناء 32 مفاعلاً نوويا في خمسة عشر عاماً لتكون قادرة علي تلبية 4% من حاجتها للطاقة تنكر واشنطن حق دول اخري في امتلاك قدرات نووية حتي لوكانت لاحتياجات سلمية. ومثل هذا التناقض له ما يبرره فزيارة بوش للهند ولقائه مع رئيس الوزراء الهندي "مانوهان سينج" تأتي لتسويق تكنولوجيا امريكية جديدة للطاقة النووية والغريب ان هذا العرض السخي قد لا يجد "اذانا" صاغية لدي المسئولين الهنود حتي ومع استخدام افضل المبادرات الدبلوماسية اقناعاً. والقضية في احد ابعادها هي بيع تكنولوجيا لسوق واعد وثاني اكبر الاسواق الاسيوية ولكن لا يقتصر الامر علي ذلك فالبعد الاخر والذي لا يقل اهمية هو ان تحويل الهند الي دولة تعتمد علي الطاقة النووية في توليد الكهرباء وغيرها من الاستخدامات سيؤدي بدوره الي تقليل اعتماد "نيودلهي" علي البترول والغاز وهو شيء تستحسنه ليست واشنطن فقط وانما ايضاً الغرب بأكمله والاهم هو عدم الاعتماد علي الغاز الايراني الطبيعي وهي دولة في نظر "بوش" تستخدم عوائدها من البترول والغاز لاغراض عسكرية في نهاية المطاف. وفي حالة ما اذا اتخذت الهند موقفاً قوياً في نادي الدول النووية ربما تساعد اكثر في عدم تشجيع ايران في طموحها لانتاج قنبلة نووية كما تزعم امريكا.. وقد يجد الموردون الامريكيون لهذا النوع من السلع سوقاً جديدة لتعويض جزء من الضرر الذي سيصابون به من معاناتهم الناجمة عن التوجه نحو استخدامات الطاقة النظيفة واغلاق او التوقف عن تطوير صناعة الطاقة النووية الامريكية فمن المعروف انه لم يتم بناء اي مفاعلات في الولاياتالمتحدة منذ الثمانينات بسبب سلسلة من الحوادث. ولا يجد اقتراح بوش باتاحة التكنولوجيا الامريكيةالجديدة في مجال النوويات طريقاً مفروشاً بالورود فهو يصطدم بعقبات خارجية وداخلية ويجد مبررات قوية ومنطقية. فعلي الصعيد الخارجي فالهند مقاربة للصين وقد يعتبر التقارب الامريكي الهندي في مجال الطاقة النووية عملاً عدائياً ضد بكين كما تتاخم باكستان وتدخل معها في سباق نووي محموم ولذلك فتفضيل الهند في هذا المجال سيشعل السباق النووي في اسيا اما علي الصعيد الداخلي فهي قضية لها معارضيها من الجمهوريين وهو الحزب الذي ينتمي له الرئيس قبل الديمقراطيين الناقمين ايضا من مسلك الرئيس.. فالنائب الديمقراطي "ايد ماركي" في مجلس الشيوخ عن ولاية "ماساشوستس" تقدم باقتراح للمجلس يعارض منح الهند هذه التكنولوجيا كما يركب النائب الجمهوري "فريد ماركسي" علي ان الهند لم توقع مطلقاً علي اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية التابعة للامم المتحدة وشرعت في تجاربها النووية عام 1974 لتطوير القنابل الذرية ورغم اهمية اتفاقية منع الاسلحة النووية الا انها لم تمنع دولاً من مواصلة تجاربها لتطوير الاسلحة النووية مثل ايران وكوريا الشمالية اللتين وقعتا عليها ورغم ذلك استمرتا في تجاربهما النووية بل ويصل النائب الجمهوري "فريد ابتون" عن ولاية ميتشجن نفس الموجة ويستند اعتراض ماركس لابعد من ذلك مشيراً الي بعد اخلاقي له تأثير في المجتمع الدولي وهو منع ايران من تخصيب اليورانيوم بحيث تكون غير قادرة علي انتاج رؤوس نووية في حين يتم الموافقة للهند في الحصول علي تكنولوجيا نووية مستحدثة. وقد تبدو كل هذه الاعتراضات غير ذي بال بالنسبة ل "بوش" وشركائه فالهدف الاسمي هو تسويق هذه الاسلحة وبيع هذه التكنولوجيا لصالح شركات عملاقة تضاءل دورها وتقل مواردها منذ فترة طويلة واعادتها الي تحقيق المكاسب الهائلة التي كانت تحظي بها سلفاً ومع ذلك فمع الاتفاقية الدولية للحد من هذه الاسلحة يجد بوش نفسه في مأزق يتعين معه ان يحصل علي موافقة الهند علي الفصل بين مشروعات التسليح وتطوير الطاقة النووية. او بمعني اخر محاولة التحايل او الالتفاف علي القانون والهدف قطعاً هو الربح وضخ الروح في هذه الصناعة بالولاياتالمتحدة التي باتت مهددة بالافلاس ولذلك فربما لم يكن من فراغ اطلاق بوش لمبادرته في خطاب الاتحاد لتقليل الاعتماد علي بترول الشرق الاوسط ومنذ ذلك الحين وبدا واضحاً ان هذه الصناعة عادت الي النشاط بالاعلان عن قيامهابحملة دعائية لاقناع المواطن الامريكي انها اصبحت اكثر اماناً وسلامة. كما تناثرت الانباء عن عزم الصين بناء عشرات المفاعلات الجديدة ثم زيارة بوش للهند وعرض تكنولوجيا امريكية جديدة للطاقة النووية وهو اقتراح مثير في هذا التوقيت بالذات الذي من ابرز سماته "هو تزايد الانتقادات ضد بوش والمعارضة الدولية التي تقودها امريكا ضد برنامج ايران النووي وما تثيره اقتراحاته الكثير من الجدل الحاد الذي يصل الي درجة محيرة فهو يخل بموازين القوي في اسيا ويستفز الصين ولكن الرابح الاكبر سيكون بالتأكيد صناعة المفاعلات النووية التي تمتلك الشركات الامريكية الريادة فيه. ولكنه من جانب اخر يعكس التخبط في السياسة الامريكية ملطخة المعالم التي اصبح التناقض هو الصفة المميزة لها. والاكيد ان هذا الاقتراح الامريكي سيشعل من سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان ايضاً.