بعد أن ظل ربع قرن يتخذ من سنغافورة مقرا له تقرر أن ينتقل معرض الطيران الاَسيوي ثالث أكبر معارض الطيران العالمية إلي هونج كونج اعتبارا من العام القادم وسبب هذا الانتقال ببساطة هو قوة الجذب الصينية المتزايدة. وعند افتتاح معرض الطيران الاَسيوي في 21 فبراير الماضي كانت هناك أحاديث حول الهند ودبي وجنوب شرق اَسيا كمناطق مهمة لصناعة الطيران المدني في العالم ولكن الجائزة الحقيقية أو الجائزة الكبري هي الصين بلا منازع حيث يجمع سوق الطيران المدني الصيني بين سرعة النمو وضخامة الأرقام. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن شركات الطيران الصينية حملت في العام الماضي 138 مليون مسافر وهو ضعف ما كان عليه الحال منذ خمس سنوات فقط وبه صارت الصين ثاني أكبر أسواق الطيران المدني في العالم بعد الولاياتالمتحدة.. وتتوقع الحكومة الصينية أن يتضاعف هذا الرقم مرة أخري خلال السنوات الخمس القادمة.. وتزيد أيضا طاقة الطائرات الصينية في شحن البضائع بسرعة كبيرة بلغت 20% في العام الماضي. ونتيجة لذلك صارت الصين أكبر مشتر للطائرات المدنية حيث اشترت 219 طائرة في عام 2005 تمثل 20% من إجمالي مبيعات إيرباص العالمية.. وتقول شركة بوينج في توقعاتها إن الصين سوف تشتري 2600 طائرة جديدة خلال العقدين القادمين تزيد قيمتها علي 213 مليار دولار. والأمر المدهش حقا أن هذا النمو الكبير في سوق الطيران المدني الصيني الذي تربح شركات صنع الطائرات من ورائه هو نمو بلا أرباح بالنسبة لشركات الطيران الصينية.. صحيح أن الصين أنفقت الكثير علي إقامة البنية الأساسية لسوق الطيران المدني الصيني وحسنت درجة أمانها كثيرا. فالصين لديها الاَن 130 مطارا وتخطط لإنشاء 55 مطارا دوليا أخري حتي عام 2020 ولكن الزيادة الكبيرة في أعداد المسافرين وفي حجم الإيرادات لم تثمر أرباحا ذات وزن مناسب حيث إن قطاع الطيران المدني الصيني كله لم يربح سوي 10 مليارات يوان "1.2 مليار دولار" في السنوات الخمس الأخيرة. وفي العام الحالي 2006 ستكون إير تشاينا هي الشركة الصينية الوحيدة الرابحة، أما شركتي تشاينا سوذرن وتشاينا ايسترن فقد حذرتا من تحقيق خسائر فادحة.. وقد تتشابه الشركات الصينية في ذلك مع الشركات الأمريكية التي تخسر هي الأخري ولكن هناك شركات اَسيوية تحقق أرباحا غزيرة مثل كاتاي باسفيك والسنغافورية، ويزداد الأمر غرابة عندما نعرف أن الصين بذلت جهودا كثيرة لضم شركاتها الصغيرة في 6 شركات كبري فقط. ونفس الحظ السييء يلاحق الصين في سوق الشركات الطيران ذات التذاكر الرخيصة التي تحقق النجاح في كل أنحاء العالم تقريبا عدا الصين حيث تواجه شركاتها الثلاثة أوكاي إيروايز وإير سبرنج ويونايتد إيجل الكثير من الصعوبات. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن جزءا من فشل الشركات الصينية في تحقيق أرباح يرجع إلي توسعها السريع والكبير.. فشراء هذا القدر الهائل من الطائرات يعني أن معظم شركات الطيران الصينية غارقة في الديون.. أضف إلي ذلك أن سوق الطيران الصيني رغم تحريره جزئيا لاتزال يد الدولة ثقيلة فوقه، حيث تحدد أسعار التذاكر وترفع رسوم الهبوط في المطارات وهو ما يستنزف جزءا كبيرا من إيرادات الشركات الصينية ويمنعها من إدارة عملها علي النحو الذي يحقق لها ما تبتغيه أية شركة رشيدة من أرباح. وأكثر من هذا فإن الدولة هي التي تحتكر بيع وقود الطائرات وتحدد أسعاره بصورة تحكمية.. ولذلك فإن الوقود صار يمثل 40% من التكلفة في شركات الطيران الصينية في حين أن هذه النسبة لا تتجاوز ال 24% لدي شركات الطيران في أي مكان اَخر في العالم. وفوق ما تقدم فإن تكلفة عنصر العمل في شركات الطيران الصينية بدأت تتزايد نتيجة لنقص الأيدي العاملة المدربة.. وعلي سبيل المثال ستحتاج هذه الشركات نحو ألف طيار جديد سنويا خلال السنوات العشر القادمة في حين أنه لا توجد في البلاد سوي مدرسة حكومية واحدة لتخريج الطيارين المدنيين ولا يمكنها أن تعد سوي 600 طيار جديد فقط سنويا.. ولسد هذا النقص أقامت بوينج والإيرباص مراكز لتدريب الطيارين في الصين كما سمحت الحكومة للقطاع الخاص بفتح مدارس تدريب للطيارين أيضا. وربما كان فتح الباب أمام شركات الطيران الصينية لعقد التحالفات وعمليات الاندماج هو جزء من الحل المطلوب لهذه المشاكل.. أما الجزء الاَخر فهو مزيد من تحرير السوق سواء في أسعار الوقود أو أسعار التذاكر.. وقد يكمن جزء ثالث في فتح السوق الصيني أمام شركات الطيران العالمية من أجل دعم المنافسة.. وقد أصبح من المتعين علي الحكومة الصينية أن تتصرف بسرعة في هذه الأوضاع ليواصل سوق الطيران المدني في الصين توسعه دون عقبات.