من تداعيات مرض إنفلونزا الطيور ظهور حالة مرضية قديمة - جديدة هي أزمة الثقة المزمنة بين الحكومة والمواطنين.. والتي كان من أعراضها عدم تصديق بيانات الحكومة والشك في أرقامها رغم الشفافية التي تعاملت بها في كارثة انفلونزا الطيور وتلك الأعراض أدت إلي "وباء" من نوع آخر وهو الشائعات. وقد يرجع ذلك إلي أن الحكومة قد عجزت عن توصيل صدقها إلي المواطنين. وقد كشفت أزمة الانفلونزا عن تأصل مرض عدم الثقة بين المواطنين والحكومة ولاسيما أن الدولة كانت هذه المرة صادقة وشفافة، وتعاملت مع الأزمة بوعي كبير كان مطلوبا منذ زمن. ولكن ولأن هناك ميراثا طويلا من عدم الثقة وتاريخا في التعتيم الحكومي وحجب المعلومات باستثناء ما تريده الحكومة جعلت الناس لا تصدق البيانات الحكومية إلا بسرعة السحلفاة بينما تسري الشائعات بسرعة البرق أو بسرعة سريان النار في الهشيم. "الأسبوعي" حاورت خبراء ورجال أعمال وأساتذة جامعات عن كيفية الاستعادة السريعة للثقة بين المواطن والحكومة كي نستطيع ان نجد حلولا سريعة في أزمات قد تحدث مستقبلا. أو بمعني أخر كيف يمكن أن تكون هناك مصالحة بين الحكومة - بشفافيتها - والمواطنين أثناء الكوارث؟ راوية الجبالي في البداية يوضح د.محمد السيد سعيد مدير مكتب جريدة الأهرام بواشنطن ونائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ان هناك حالة متفاقمة من فقدان الثقة بين المواطن والحكومة ترجع لعدة قرون، وناتجة عن عجز الحكومات العربية عموما عن التواصل مع الشعوب. ويوضح ان ضعف المشاركة السياسية هو أبرز انعكاسات عدم ثقة الشعب في الحكومة وضعف التواصل بينهما. ويؤكد السعيد ان مرض انفلونزا الطيور قد عكس إلي حد كبير غياب الصلة الحقيقية بين الشعب والحكومة، مشيراً إلي ان خطورة ثقافة الذعر والخوف التي سيطرت علي المواطنين في تعاملهم مع أزمة انفلونزا الطيور، ويرجعها إلي عدم تعود الشعب علي التعامل من خلال مؤسسات المجتمع المدني والذي يرجع إلي قيام الدول بالقضاء علي هذه المؤسسات اما بتشويهها أو تحجيمها. زرع الثقة ويضيف ان زرع الثقة كان يتطلب من الحكومة طرح عدة سيناريوهات للتعامل مع المرض اثناء توقع حدوثه وليس بعد دخوله إلي مصر، حتي لا يفاجأ المواطنون بالمرض يحاصرهم ثم تعلن الحكومة عنه بهذه الشفافية، بعد سنوات من التعتيم علي الأخبار المهمة مما زاد من حالة الذعر والبلبلة. وأكد محمد السيد سعيد ان عدم الاستعداد بسيناريوهات للتعامل مع المرض طبقا لكل حالة علي حدة وعدم تواجد الفنيين والبيطريين بين الناس في وقت سابق علي حدوث المرض لتوعيتهم بكيفية التصرف حالة حدوثه أدي إلي تفاقم الازمة وتعريض الثروة الداجنة للضياع ومعها ملايين من فرص العمل للبسطاء من الناس. وفي نفس الاتجاه يسير الدكتور بهاء بكري نائب رئيس حزب الخضر واستاذ التخطيط البيئي بكلية الهندسة جامعة القاهرة يحث يوضح ان الحكومة الحالية جاءت في توقيت غابت فيه الثقة في النظام السياسي، مشيرا إلي أن ما يحدث الآن من ذعر تجاه أزمة انفلونزا الطيور والمبالغة في تصويرها يؤكد غياب هذه الثقة. ويضيف د.بكري ان الحكومة تبذل جهوداً ملحوظة في السيطرة علي المرض ولكن ذلك لا يغفر لها تجاهلها للأزمة لمدة تزيد علي شهرين لانشغالها بالانتخابات البرلمانية ثم بالمونديال الافريقي ثم بحادث العبارة ولم تبدأ في احتواء الازمة إلا بعد ظهور حالات مرضية بالفعل. ويعتبر أمير سالم رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان ان انتشار وذيوع الفساد وحالات الاهمال واللامبالاة التي يتم التعامل بها مع الأزمات والكوارث وراء غياب الثقة بين الحكومة والمواطنين. ويؤكد سالم ان الحكومة لا يحسب لها الاعلان عن مرض انفلونزا الطيور إلا أنها لم تعلنه إلا بعد أن أصبح حقيقة واضحة لا يمكن انكارها. نمو المجتمع وترجع هناء رشاد مدير احد مكاتب الدعاية والاعلان الذعر المبالغ فيه تجاه مرض انفلونزا الطيور إلي أن الشعب المصري اصبح يستقي معلوماته عن القضايا الداخلية عبر مصادر اعلام خارجية أولا مما أفقده الثقة في الاعلام المصري وأدي إلي اصابة المواطن بالخلط والتشويش بين المعلومات الحقيقية وبين الشائعات. وتضيف ان الدولة عليها اقامة نوع من العلاقات العامة بينها وبين المواطن لتوطيد الصلة واستعادة المصداقية والذي ينعكس في النهاية علي نمو المجتمع.