أمس الموافق 21 فبراير هو اليوم العالمي للحركة الطلابية، لكنه تحول في مصر إلي اليوم العالمي للشائعات! فقد اجتاحت البلاد من أقصي الشمال إلي أقصي الجنوب سحابة سوداء من الشائعات تؤكد أن مياه الشرب أصبحت ملوثة، وقاتلة، والأخطر أن تلك الشائعات أكدت أن مصادر رسمية مسئولة هي التي قالت ذلك، بل وأن التليفزيون المصري أذاعها وأهاب بالمواطنين الامتناع عن الشرب من مياه الحنفيات، ثم أضفت الشائعات جواً من "الدقة" علي هذا الكلام فقالت إن التليفزيون طلب من المصريين الامتناع عن الشرب من مياه الحنفيات حتي الساعة السادسة مساء وقالت شائعات أخري إن خطباء المساجد فعلوا نفس الشيء، وإن سيارات مجهولة طافت بأحياء المدن تحذر الناس من شرب المياه. ومنذ اللحظات الأولي لصباح أمس لم تتوقف تليفونات الجريدة والتليفونات المحمولة للمحررين والبريد الإلكتروني ومواقع الإنترنت عن ترديد هذه الشائعة الخطيرة. وعشنا ساعات لاهثة نسابق الزمن لنتقصي الحقيقة، فلم نترك وزيراً ولا مسئولاً كبيراً إلا اتصلنا به وكانت الإجابة واحدة من جميع المسئولين مسئولية مباشرة عن مياه الشرب: المياه صالحة للشرب وحتي لو كان البعض قد ألقي في النيل بالطيور النافقة المصابة بفيروس إنفلونزا الطيور فان محطات التكرير وتنقية المياه تضع الكلور مع الماء الذي يجري تنقيته، وهذا الكلور كفيل بقتل كل أنواع البكتيريا والفيروسات، ولم يكن ينقص إلا أن يقسم المسئولون والوزراء علي المصحف والإنجيل أن مياه الشرب لم تتعرض لأية مخاطر. وعندما لم تتوقف الشائعات رغم كل هذه التوضيحات ظهر أنس الفقي وزير الإعلام علي شاشات التليفزيون لينفي هذه الإدعاءات ويفندها بصورة قاطعة، مؤكداً أن الفريق المسئول عن متابعة ملف إنفلونزا الطيور آل علي نفسه الالتزام بالشفافية والإفصاح عن كل كبيرة وصغيرة وبالتالي لا داعي للانسياق وراء هذه الإدعاءات. وها نحن كصحافة وإعلام نناشد المواطنين ألا يصدقوا تلك الأكاذيب، لأنه إذا كان هناك أقل قدر من الشك في أن مياه الشرب ملوثة لكنا أول من ينشر ذلك ويحذر أهلنا منه.. فهذه مسئوليتنا وذلك هو الامتحان لضميرنا المهني. لكن تبقي هناك ثلاث نقاط مهمة بعد التأكيد علي نفي هذه الشائعات. النقطة الأولي: يبدو من حدة وكثافة وسرعة انتشار شائعة الأمس أن وراءها جهازاً سرياً منظماً، فلا يمكن أن تكون عشوائية، فمن يا تري يكون هؤلاء المروجون لتلك الشائعة المسمومة، وهل هم من الداخل أم من الخارج؟ وما هي مصلحتهم؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ النقطة الثانية: هذا هو وقت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمبادرات الشعبية للتحرك من أجل إحباط هذه المخططات وتبديد مناخ البلبلة الذي من شأنه استفحال أزمة إنفلونزا الطيور. وهذا هو الأوان الذي يظهر المعدن الأصيل للشعب المصري وتكاتفه وتعاون كل طبقاته وفئاته في مواجهة المحن، وهذا التكاتف المجتمعي هو خط الدفاع الأساسي ضد أصحاب النفوس الضعيفة ومثيري البلبلة وزارعي الشكوك في وقت نحتاج فيه إلي أعلي درجة من رباطة الجأش. وليس مطلوباً التصدي للشائعات فقط، وإنما مطلوب منا جميعاً بجميع أحزابنا ونقاباتنا وجمعياتنا ومؤسساتنا مواجهة السلوكيات والسياسات والتصرفات الخاطئة التي تزيد الطين بلة، ومنها علي سبيل المثال إلقاء الطيور النافقة في النيل الذي كان أجدادنا العظام يقدسونه ويقسمون في وصاياهم أنهم لم يلوثوه. وهذا وقت الجد.. وليس فيه مكان للهزل أو الاستهتار أو الكلام غير المسئول.. لذلك يجب أن نتحد في مواجهة هذه السحابة المسمومة والمغرضة المحملة بادعاءات بالغة الخطورة، قد تكون وراءها أهداف خبيثة أبعد مما نتصور.