عند انضمام دول أوروبا العشر الجديدة إلي الاتحاد الأوروبي في أول مايو عام 2004 كانت هناك مخاوف من أن يسرق عمال هذه الدول فرص العمل والوظائف من عمال الاتحاد الأوروبي خصوصا أن معظم هذه الدول العشر كانت كما تعرف من أوروبا الوسطي. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الصحف حذرت من فيضان المهاجرين الذين يريدون الاستفادة من مزايا دولة الرفاه الأوروبية أو الحصول علي وظائف ليست متاحة في بلادهم، وتحت هذا الضغط قامت 12 دولة من دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة بوضع ترتيبات انتقالية تنظم انتقال العمالة إليهم من هذه الدول العشر الجديدة وهي ترتيبات اعتبرتها المفوضية الأوروبية قيودا علي حق التنقل داخل الاتحاد الأوروبي الموسع. وقد فتحت بريطانيا وايرلندا أسواقهما أمام العمالة الوافدة مع قليل من القواعد التي تمنع الباحثين عن الاستفادة من المزايا الاجتماعية ووضعت بريطانيا نظاما لتسجيل هذه العمالة الوافدة.. وفتحت السويد سوقها هي الأخري بعد أن رفض البرلمان السويدي وضع أية قيود علي عمال شرق ووسط أوروبا الجدد. وقد كان من المقرر مراجعة هذه الترتيبات الانتقالية بعد عامين أي بحلول 30 ابريل 2006 كما يمكن مدها بحد أقصي خمس سنوات أخري.. وقد كانت المفاجأة أن تقريرا نشرته المفوضية الأوروبية يوم 8 فبراير الحالي عن هذه التجربة أوضح أن الدول الثلاث التي فتحت أسواقها كانت هي الأسرع نموا والأقدر علي إيجاد الوظائف من الدول الاثنتي عشرة التي قيدت حركة المهاجرين إليها من الدول العشر حديثة الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي.. بل وأكثر من ذلك فإن الدول الاثنتي عشرة شهدت نوعا من الهجرة غير المعلنة إلي أسواقها من عمال دول أوروبا الوسطي والشرقية وهذا معناه أن القيود التي وضعت لم تكن ذات فعالية. وربما لا يكون انفتاح أسواق العمل في الدول الثلاث بريطانيا وايرلندا والسويد هو السبب وراء أدائها الاقتصادي الجيد ولكن هذا الانفتاح أيضا لم يضرها.. وتري المفوضية الأوروبية أن ترتيبات منع انتقال العمالة ترتيبات غير عادلة وتدعو إلي رفعها كليا. وقد ذكر تقرير المفوضية الأوروبية أيضا أن الدول التي وضعت ترتيبات منع أشرس مثل النمسا كانت هي التي شهدت المزيد من الهجرة غير الشرعية ولم يعدم عمال أوروبا الوسطي والشرقية الحيلة فبعضهم يقول إنه يعمل عند نفسه والبعض الاَخر يدعي أنه طرد من بلاده.. وهكذا. وكشف التقرير أن هجرة الأوروبيين الشرقيين لم تؤد إلي زيادة معدل البطالة في دول الاتحاد الأوروبي الأصلية.. فحجم هؤلاء المهاجرين لا يمثل سوي 1% من إجمالي قوة العمل في دول الاتحاد الأوروبي عدا ايرلندا حيث ترتفع النسبة إلي 3.8%. كما أن معظم العمالة الوافدة تعمل في الوظائف التي يرفض السكان المحليون العمل فيها أي إنهم أيضا لا يسرقون الوظائف من العمال المحليين بل إنهم يحسنون أوضاع الشركات ويرفعون أرباحها، بل وجد التقرير أكثر من ذلك أن هناك تلازما في دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة بين هجرة عمال الشرق إليها وبين زيادة معدلات التشغيل سواء للسكان المحليين أو العمالة الوافدة علي حد سواء. أضف إلي ذلك أن العمالة الوافدة لا تسعي إلي الاستيطان في أماكن الهجرة الجديدة وإنما يبحثون فقط عن فرص العمل ويخططون للعودة إلي بلادهم الأصلية بعد حين وهذا معناه أن العمالة الوافدة ليست طامعة في مزايا دولة الرفاه الأوروبية. ومن المهم الإشارة إلي أن هذه الاَراء موجودة أيضا في تقرير مماثل أعده البنك الدولي عن ظاهرة هجرة عمال الدول الشيوعية السابقة إلي غرب أوروبا حيث يؤكد التقرير أن نتائج فتح أسواق العمل عادة ما تكون إيجابية وإن ظللتها أحيانا بعض الظواهر السلبية. باختصار، نستطيع القول مع "الإيكونوميست" إن الاتحاد الأوروبي عام علي حريات أربع هي حريات انتقال السلع، والعمالة، ورأس المال، والخدمات ولاشك أن استمرار القيود علي حركة وهجرة العمالة يمثل تهديدا لهذه الحريات الأربع كما يمكن أن يؤثر بالسلب علي رفاهية واستقرار القارة الأوروبية خصوصا أن دول الاتحاد الأوروبي الكبري مثل ألمانيا وفرنسا والنمسا تصر علي استمرار هذه القيود لسنوات أخري قادمة.