تشهد الساحة الاقتصادية في مصر في الوقت الحالي اتجاهاً نزولياً بسعر الفائدة، إذ أجري البنك المركزي عدة تخفضيات متتالية لسعر الفائدة كان آخرها التخفيض الذي قررته لجنة السياسات النقدية للبنك في اجتماعها الأخير في يناير عام 2006 بتخفيض سعر الفائدة علي الإيداعات لمدة ليلة واحدة بمقدار 0.5% ليصبح 8.25% بدلاً من 8.57% وبالمقدار نفسه لسعر الفائدة للإقراض لمدة ليلة واحدة ليصبح 10.25% بدلاً من 10.75%، كما قررت اللجنة تخفيض سعر الائتمان والخصم ليصبح 9% بدلاً من 10%، وفي الوقت نفسه قامت وحدات عديدة من الجهاز المصرفي في مصر بتخفيض سعر الفائدة علي الإيداعات والإقراض لتكون في حدود 6% للإيداعات و11% للإقراض، وهذا الاتجاه النزولي لسعر الفائدة السائد في السوق المصري يعبر عن تبني الدولة لسياسة نقدية توسعية، أية سياسة نقدية تهدف إلي زيادة النشاط الاقتصادي ورفع معدل النمو الاقتصادي، وهذا التوجه يتفق مع برنامج رئيس الجمهورية الانتخابي وتكليفاته إلي الحكومة الجديدة. ولكن ما هي التداعيات المحتملة لهذا الاتجاه النزولي لسعر الفائدة السائد علي النشاط الاقتصادي المصري؟ وما العوامل التي تؤثر علي هذه التداعيات؟ وهل يستطيع سعر الفائدة أن يحقق آمال الرئيس؟ من المحتمل أن يترتب علي انخفاض سعر الفائدة انخفاض تكلفة الاقتراض من الجهاز المصرفي وبالتالي زيادة الطلب علي الاقتراض لمنشآت الأعمال وزيادة إمكانياتها لتمويل نشاطها الجاري وإجراء توسعات مستقبلية في أعمالها، ومن ثم زيادة انتاجها وزيادة المعروض السلعي والخدمي في الأسواق وزيادة حركة التجارة وزيادة الدخول والأرباح، ومن شأن هذا النمو أن ينعكس إيجابياً علي تحسن جودة قروض هذه المنشآت لدي الجهاز المصرفي بمعني زيادة قدرتها علي السداد، وكذلك تحسن أسعار أسهم هذه المنشآت في البورصة نتيجة لنمو الأرباح والتوزيعات علي المساهمين وبالتالي زيادة نشاط سوق رأس المال. ومن الآثار المحتملة أيضاً نتيجة انخفاض سعر الفائدة وزيادة نشاط منشآت الأعمال زيادة إيداعاتها لدي الجهاز المصرفي وبالتالي زيادة موارده وقدرته علي الإقراض. وعلي صعيد آخر يمكن أن تؤدي زيادة نشاط منشآت الأعمال وإجراء توسعات مستقبلية في أعمالها إلي زيادة قدرتها علي استيعاب أعداد متزايدة من العمالة الوافدة إلي سوق العمل وبالتالي امتصاص قدر من البطالة. هذا ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي تخفيض سعر الفائدة إلي تخفيض معدل العائد المطلوب كسبه أو تحقيقه علي الاستثمار وبالتالي زيادة القيمة الحقيقية والقيمة السوقية للأوراق المالية في سوق رأس المال وزيادة الإقبال علي التعامل في البورصة وزيادة تداول الأوراق المالية. ومن التداعيات المحتملة أيضاً لانخفاض سعر الفائدة أن تنخفض تكلفة الائتمان للقروض الشخصية لأغراض الاستهلاك ومن ثم زيادة الطلب علي هذه القروض من الجهاز المصرفي وزيادة القدرة الشرائية للأفراد وزيادة الاستهلاك وزيادة مبيعات منشآت الأعمال وزيادة أرباحها، وقد ينعكس ذلك إيجابياً أيضاً علي نشاط البورصة وتحسن جودة القروض بالجهاز المصرفي. ومن الآثار غير المباشرة أيضاً التي قد تترتب علي انخفاض سعر الفائدة أن تزداد جاذبية السوق المصري للاستثمارات الأجنبية وبالتالي زيادة التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية علي الاقتصاد الوطني ومن ثم امكانية حدوث تحسن في سعر صرف الجنيه المصري وزيادة قوته أمام العملات الأجنبية هذا من ناحية ومن ناحية أخري يمكن أن يؤدي انخفاض سعر الفائدة إلي انخفاض تكلفة إنتاج السلع التصديرية وبالتالي زيادة قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية ومن ثم نمو الصادرات السلعية وتحسن ميزان المدفوعات وزيادة قوة العملة المحلية، ومن شأن ذلك ان يزيل المخاوف المرتبطة بتحول الاتجاه نحو زيادة الطلب علي العملات الأجنبية والمعروف بعملية الدولرة. ولكن يتوقف مدي قوة هذه الاحتمالات ودرجة واقعيتها وفرص تحققها علي عدة عوامل مهمة منها مدي حساسية الاستثمار لانخفاض سعر الفائدة واستجابة المستثمرين لهذا التخفيض، وكذلك القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني من حيث مدي توافر مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة، والعمل المدرب والتكنولوجيا المناسبة، كما تشمل هذه العوامل أيضاً مدي حساسية الطلب الاستهلاكي للسلع والخدمات لزيادة الدخول لدي الأفراد ومدي حساسية الطلب الخارجي علي الصادرات المصرية لانخفاض أسعار الصادرات، بالإضافة إلي أهمية زيادة وعي الأفراد بعملية الاستثمار من الناحية المعرفية. ومن العوامل التي قد تساعد علي تحقق الآثار الإيجابية لانخفاض سعر الفائدة الاتجاه الحالي لدمج وحدات الجهاز المصرفي ونشوء كيانات قوية ذات قدرة عالية علي المنافسة عن طريق تخفيض تكلفة العمليات المصرفية. وعلي الوجه الآخر للعملة، قد يكون لانخفاض سعر الفائدة آثار سلبية تتمثل في انخفاض دخول أصحاب المدخرات وبالتالي انخفاض قدرتهم الشرائية وانخفاض مستوي المعيشة لهذه الفئة من المجتمع، وهنا تبرز أهمية دور المؤسسات التي تتولي توعية الجمهور بعملية الاستثمار من الناحية المعرفية وتوفير فرص استثمارية جيدة لجذب المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار. بهذه الخطوات التي تخطوها الدولة تستطيع أن نقول إن السياسة الاقتصادية تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن يتوقف مدي نجاح هذه السياسة في تحقيق أهدافها وبلوغ آمال السيد الرئيس علي تحسين الظروف الأخري والعوامل المختلفة المرتبطة بعملية الاستثمار والتشغيل والتصدير، حيث إن السياسة الاقتصادية هي في حقيقتها منظومة متكاملة متناغمة من الإجراءات والبرامج التي تتضافر مع بعضها لتحقيق الأهداف القومية، فليس بسعر الفائدة وحده يحيا الاقتصاد، ومن هنا تبرز أهمية وجود سياسة اقتصادية متكاملة معلنة واضحة تلتزم بها كل الأطراف المعنية بتنفيذها وتعزف جميعها لحناً واحداً. * خبير