شهدت السنوات الأخيرة تنامي ثقافة جديدة في العديد من البلدان العربية هي ثقافة المضاربة في سوق المال واتسع نطاق هذه الثقافة في السنة الحالية لتتجاوز شرائح النخبة العربية وتصل - في صورتها العشوائية - الي المواطن العادي بعدما داعبت احلام المواطنين وحتي بعض البسطاء منهم احلام الثراء السريع عبر تدوير مدخراتهم الصغيرة في البورصة التي باتت تمثل بديلا افضل من اوعية الادخار المصرفية مع تراجع اسعار الفائدة في البنوك. مع تصاعد وتيرة عمليات خصخصة الشركات المملوكة للدولة في معظم الدول العربية وهي العمليات التي كان من بين اهدافها المعلنة اعادة توزيع الثروة في البلاد وتوسيع نطاق الملكية عبر طرح اسهم الشركات للاكتتاب العام بأسعار زهيدة نسبيا للسهم الواحد انتشرت حمي المضاربة بين افراد لم يكونوا يحلمون بدخول هذا المجال الذي كان قاصرا في ثقافتنا التقليدية علي كبار الاثرياء من ملاك الاراضي واصحاب المصانع. أحلام الثراء السريع وكمثال طريف علي نوعية المضاربين الجدد في اسواق المال العربية نشرت احدي صحف الخليج ان احد المواطنين تفتق ذهنه عن حل يريحه من المشاجرات والمشاحنات المستمرة بين زوجتيه فاشتري لكل منهما عدة اسهم في البورصة بالاضافة الي جهاز كمبيوتر لكل منهما وبمرور الايام انشغلت الزوجتان بمتابعة حركة التداول في البورصة عبر شاشة الكمبيوتر ولم يعد لدي اي منهما الوقت الكافي لافتعال المشكلات العائلية التي ضج منها الزوج في السابق.. ومع اتساع نطاق المهتمين بالبورصة وتزايد اعداد الحالمين بالثراء السريع شهدت معظم الورصات العربية نموا سريعا هذا العام علي نحو بات يثير مخاوف من تكريس ثقافة الربح السريع علي نحو يهدد بتحول اسواق المال العربية الي فقاعة اسهم كبيرة وراي محللون ان الامر بات يتحول الي مقامرة اكثر منه استثمارا او مضاربة وان تلك الاسواق تحولت الي نوادي قمار كبيرة. ويدلل المتشائمون علي ذلك بالمستويات القياسية التي وصلت اليها اسعار اسهم شركات جديدة رغم انها لم تبدا عملها بعد كما تخطت احجام الاكتتابات الجديدة الناتج المحلي الاجمالي لدول باكملها بصورة اثارت تندر بعض موظفي البنك الدولي. فقد قفزت القيمة السوقية لاسواق المال الخليجية لتكسر حاجز التريليون دولار كما حلقت اسعار الاسهم في هذه الاسواق الي مستويات لم يسبق لها مثيل في تاريخ المنطقة بل وبصورة لم تشهده اية بورصة عالمية. ووصل حجم التداول في هذه الاسواق الي ثلاثة مليارات دولار تتراقص يوميا بين اصابع المضاربين فضلا عن تضاعف حجم تلك البورصات سبع مرات في الاعوام الخمسة الاخيرة. ففي السوق السعودية علي سبيل المثال ارتفعت اسعار الاسهم خلال العام الحالي بنسبة ثمانية وتسعين في المائة وصعدت البورصة القطرية بنسبة ثمانية وستين في المائة وارتفعت الاسهم العمانية بنسبة واحد وثلاثين في المائة اما البورصة البحرينية فقد قفزت بنسبة اربعة وعشرين في المائة. صرعة غير مسبوقة ويرجع محللون تحول هذا النوع من الاستثمار الاقتصادي الي صرعة لم يسبق لها مثيل الي عدة اسباب منها التدفقات البترودولارية الهائلة التي تنهال علي دول المنطقة بعد القفزات التاريخية لاسعار النفط العالمية الامر الذي لم يقتصر تاثيره علي بورصات الخليج فحسب وانما علي بورصات اخري في المنطقة يضارب فيه خليجيون ففي بورصة بيروت التي مازالت تعتبر بورصة صغيرة من حيث حجم التداول شهد متوسط قيمة التداول اليومي زيادة في الفترة من عام 2001 الي 2005 بنسبة 1300 بالمئة لتصل الي ثلاثة ملايين دولار في المتوسط يوميا فيما يرجع جزئيا الي ارتفاع اسعار النفط في المنطقة العربية مما وفر المزيد من السيولة ويري محللون ان قيمة الاسهم اللبنانية تبدو مغرية بدرجة كبيرة بالمقارنة بشركات دول الخليج العربية كما يرجع الاقبال الحماسي علي البورصات الي استمرار عودة جانب من الاموال العربية المستثمرة في الخارج فضلا عن تسارع حركة خصخصة الشركات المملوكة للدولة بطرح اسهمها للبيع في الاسواق اضف الي ذلك تفوق عائد الاستثمار في الاسهم علي العوائد الاستثمارية الاخري فالاستثمار في العقارات والمشاريع الانتاجية مثلا يحتاج لمرور بعض الوقت قبل الحصول علي الريع او الارباح الاستثمارية المجزية بينما قد يحصل المضارب علي اضعاف اموالة في ضربة حظ بالبورصة ويلقي البعض باللوم علي التسهيلات الائتمانية الكبيرة التي قدمتها البنوك الخليجية لعملائها والتي وصلت الي اضعاف رواتب هؤلاء العملاء الامر الذي تسبب في صعود معدلات التضخم في دول الخليج.