ربما يأتي هذا السؤال خارج المقرر، ذلك ان السؤال المطروح دوما: ماذا نريد من الوزارة الجديدة؟ ورغم اهمية هذا السؤال فإنه ليس ما ننظر فيه في وقفتنا تلك وتأتي اهمية السؤال الذي نتوقف عنده هنا في ان قاعدة ان الحكومة تستطيع ان تصنع كل شيء وحدها لم يثبت صحتها عندنا او عند غيرنا.. فالحكومة سلطة من سلطات ثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية، صحيح انها في فترة من الفترات او في بعض النظم السياسية قد يكون لها وزن نسبي خاص في حياة الناس ولكن ذلك لا يعني - ويجب ألا يعني - اقتصاد التوازن بينها وبين بقية السلطات. كما ان اهمية السؤال ايضا تأتي من ان نجاح الحكومة - أية حكومة - انما يرتبط بمناخ تعمل فيه وآليات تتوافر لها واطار يحكم عملها.. ويلزم توافر المناخ والآليات والاطار المطلوب لأية حكومة حتي تنجح. والحديث عن الحكومة الجديدة يأتي هذه المرة في ظرف خاص يكتسب خصوصيته من أبعاد داخلية واخري اقليمية ودولية.. فبالنسبة للبعد الداخلي تأتي الحكومة الجديدة لتتعامل مع اوضاع تحتل فيه عملية مواصلة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ظل حراك سياسي غير مسبوق شهده المجتمع المصري وفي ظل برنامج طرحه الرئيس مبارك للسنوات الست القادمة في مختلف تلك المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية يتطلب منهجا مختلفا في العمل بالنسبة لكل قوي المجتمع لاسيما في المجال التنفيذي الذي تنفرد فيه الحكومة بدور خاص، اما بالنسبة للبعد الاقليمي فانه يشير الي المخاطر العالية التي تسود منطقة الشرق الاوسط وما يحيط بها في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان والسودان وكذلك في افريقيا، تلك القارة التي تنتمي اليها ايضا، اما البعد الدولي فانه ايضا يلقي بظلاله علي اداء اية حكومة لاسيما بالنسبة للدول المحورية في منطقة الشرق الاوسط. ذلك هو المسرح الذي تعمل فيه الحكومة الجديدة بالغ التداخل وبالغ التحديات يحتاج الي الحكمة والكفاءة وسلامة التحرك، فاذا اضفنا الي ذلك كله بعدا آخر يتعلق بآمال الناس في التغيير وإحداث نقلة نوعية في الخدمات التي تقدم لهم وفي التأكيد علي حق المواطنة واحترامه وفي تحسين مستوي معيشتهم وفي مواجهة تحديات كبري في التشغيل والتعليم والصحة فان الصورة تتضح في الظرف الخاص الذي تأتي فيه الحكومة الجديدة والسؤال الذي طرحناه ماذا نريد لها في وسط هذا كله. ظني - وليس كل الظن إثما - أن الحكومة في حاجة الي خمسة متطلبات اساسية لكي تحقق المأمول منها وسط هذا الظرف الخاص وهذه الخماسية تتمثل فيما يلي: أولا:- ثقة الناس: وهذه الثقة لن تنشأ من فراغ ولكنها تنشأ في ظل المصارحة والمكاشفة والاستماع لكل الاراء ومختلف الاتجاهات وفيما يسود من مناخ للحرية وهذه الثقة تتطلب من الحكومة ان تكون اكثر اقترابا من الناس والا تعزل نفسها داخل مكاتب او تقارير.. كما ان تلك الثقة تتطلب من الناس المشاركة والتفهم ومنظمات المجتمع المدني بالذات مطالبة بدور خاص تقوم به لدفع حركة المجتمع في هذا الاتجاه، فليس صحيحا انه ليست هناك انجازات حققتها الحكومات السابقة كما انه ليس صحيحا ايضا ان كل الحكومات جاء اداؤها كاملا وغير منقوص وجاءت كل السياسات التي يتدفقها جيدة وملائمة، وجاء تنفيذها لتلك السياسات فعالا وصحيحا.. فأي جهد بشري لا يمكن ان يدعي له الكمال كما ان انكار ما يتم من جهد ونجاحات امر محبط لأي ابداع او نجاح. ثانيا: إعلام موضوعي ومتطور ينير الطريق للفهم الصحيح ولا يبرر الاخطاء كما لا يهون او يهول منها.. والامر قد يحتاج الي اعادة هيكلة اجهزة الاعلام الرسمية لكي تستطيع اداء دورها المطلوب في المرحلة القادمة.. والصحف المستقلة وصحف المعارضة هي الاخري مطالبة بالمصداقية والموضوعية.. واذا كان التصفيق للحكومة علي الدوام ليس من الموضوعية، فان مهاجمة الحكومة علي الدوام ليس ايضا من الموضوعية علي الاعلام ان يرصد النجاح ويشيد به وان يرصد الضعف في الاداء وينبه اليه.. وان يفرق بين الخبر والرأي.. ويلزم ان يتوافر له المعلومات التي تساعده علي ذلك. ثالثا: جهاز اداري للدولة قادر علي الانجاز والتفوق وربما تكون هنا مشكلتنا الكبري، ذلك ان هذا الجهاز يحتاج الي اساليب جديدة ومناهج مختلفة لان الانتظار حتي ينصلح حاله سوف يطول وليس لدينا رفاهية القدرة علي هذا الانتظار، ولقد كان لدي وزارة د.أحمد نظيف رؤية لاصلاح هذا الجهاز نرجو ان تري طريقها الي النور بشجاعة. رابعا: مساءلة برلمانية فعالة وواعية.. وتلك قضية بالغة الاهمية في الفترة القادمة ليس بسبب ان خريطة القوي السياسية قد اختلفت في البرلمان الجديد فقط ولكن بسبب الظروف الموضوعية ومتطلبات المستقبل في ظل الاوضاع المحلية والاقليمية والدولية التي اشرنا اليها، فضلا عن اهمية دور البرلمان الجديد في برنامج الاصلاحات المنتظر.